الثلاثاء، 29 مارس 2011

حياة شرارة .. شهيدة الثقافة

حياة شرارة .. شهيدة الثقافة


برزت د.حياة شرارة عندما كانت طالبة دراسات عليا بجامعة موسكو في مطلع الستينيات بين جميع الطلاب العراقيين الكثيرين ايامذاك بكونها هادئة الطبع للغاية وبجدها وبمثابرتها سواء في الدراسة ام في النشاط الاجتماعي. وهذه الصفات اكسبتها احترام الجميع من روس وعراقيين وغيرهم من ابناء البلدان العربية.
وعرفت القاعة رقم واحد في مكتبة لينين هذه الطالبة بكونها تأتي في وقت محدد في الصباح وتغادره في ساعة معينة بعد الظهر. وكانت دائما تجلس وراء طاولة مجاورة لتلك التي كان يشغلها فياتشيسلاف مولوتوف وزير الخارجية السوفيتي السابق بعد احالته الى التقاعد وامامه اكوام مجلدات الصحف والكتب. اذ كان يكتب اما مذكرات او تقارير تكلفه بها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي. وقالت حياة مرة لزملائها وعلى ثغرها ابتسامة رقيقة "انني اعمل سوية مع مولوتوف".
وقد اختارت حياة موضوعا لأطروحتها لنيل الدكتوراة في الادب في موضوع "تولستوي انسانا" كما كانت تهتم بموضوع شخصية المرأة في اعمال الكاتب الروسي ايفان تورجينيف. وقد واصلت دراسة اعمال هذا الكاتب وترجمة بعضها الى العربية لاحقا لدى عودتها الى العراق حيث عملت استاذة في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد. وفي العام الاخير من وجودها في موسكو عملت في القسم العربي بوكالة انباء تاس السوفيتية.
ولدت حياة شرارة في عام 1935 بمدينة النجف وأكملت دراستها الثانوية في بغداد ثم سافرت بسبب الظروف السياسية في العراق في العقد الاخير من الخمسينيات الى سورية ومصر حيث التحقت بقسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة. وعادت الى العراق بعد ثورة 14 تموز 1958 ، وفي عام 1961 جاءت الى موسكو.
نشأت حياة في مدينة النجف المقدسة في بيت والدها محمد شرارة الاديب والشاعر الذي كان يرتاده الشعراء والكتاب والمثقفون وتدور فيه النقاشات حول قضايا الادب. وكتبت شقيقتها الكاتبة بلقيس شرارة حول هذه المدينة تقول : " بالرغم من الجو الديني المرادف  لمدينة النجف ، هنالك جو آخر ازدهرت فيه  نهضة ثقافية واسعة، اذ صدرت عدة صحف  ومجلات كان لها دور مهم في الدعوة للأصلاح الاجتماعي ، ك "الهاتف" و" الحضارة" و"الغري" و" البيان"  ، وبرز فيها كتاب وشعراء اغنوا تراث العراق الادبي مثل محمد الجواهري وعلي الشرقي  وجعفر الخليلي وسعد صالح ، ومن الجالية اللبنانية ظهر حسين مروة  ومحمد شرارة". وكان لابد ان يؤثر هذا الجو في حياة منذ صباها فقد احبت الشعر  وحفظته عن ظهر قلب وكانت تشارك في المساجلات في حفظ الشعر بين افراد العائلة.
وذكرت بلقيس ان العائلة انتقلت في منتصف الاربعينيات الى بغداد حيث اصبح لأبيها محمد شرارة صالونه الادبي الذي كان يرتاده اسبوعيا بدر شاكر السياب ولميعة عمارة ومحمد مهدي الجواهري ونازك الملائكة واكرم الوتري وبلند الحيدري وغيرهم من الشعراء والادباء العراقيين. وقد حفظت حياة في سن 12 عاما اشعار بدر ولميعة ونازك.
لكن الاحداث السياسية العاصفة في العراق في اواخر الاربعينيات من القرن الماضي جعلت حياة تشاهد مآسي الشعب العراقي واعتقال والدها وفقدانه لعمله.وبعد اطلاق سراحه ادين من قبل المحكمة العسكرية وحكم عليه بالسجن عدة اشهر بسبب انتمائه لحركة " انصار السلام". ومن ثم غادر محمد شرارة العراق الى لبنان في عام 1954 للأقامة الدائمة هناك. اما حياة التي انتظمت آنذاك في صفوف الحركة اليسارية ، فسافرت هربا من ملاحقة السلطات الى سورية ومنها الى مصر حيث التحقت بجامعة القاهرة للدراسة في قسم اللغة الانجليزية. وعادت حياة الى بغداد مع والدها بعد ثورة 14 تموز/يوليو عام 1958 وسقوط الملكية. والتحقت بجامعة بغداد وتخرجت منها في عام 1960 لكي تسافر الى موسكو من اجل مواصلة الدراسة العالية في جامعة موسكو.
وبعد عودتها الى العراق عملت في جامعة بغداد فترة من الزمن حتى بدأت السلطات ملاحقتها بالرغم من محاولتها عدم الاعراب عن مواقفها من سياسة الحكومات آنذاك. وانصرفت الى التأليف والترجمة. فنشرت مقالات مثل "تأملات في الشعر الروسي"      (1981)   و" غريب في المدينة"  ومسرحية " المفتش العام " لجوجول و"يسينين في الربوع العربية"(1989) و"ديوان الشعر الروسي"(1983) و"مذكرات  صياد"(1984) و" رودين "  و"عش النبلاء" لأيفان تورجينيف و" مسرحيات بوشكين "(1986) و"تولستوي فنانا". وتعتبر دراستها "صفحات من سيرة نازك الملائكة" الشاعرة المجددة التي عرفتها منذ الطفولة من البحوث المميزة عن نشأة حركة الشعر الحر في العراق. كما نشرت بعد وفاتها رواية  " اذا الايام اغسقت" عن مصاعب الحياة الجامعية في بغداد. ولديها رواية لم تنشر بعنوان" وميض برق بعيد" ومجموعات قصصية. ونشرت في الصحف العراقية والعربية مقالات كثيرة حول الادب والشعر.
وكانت فترة الحرب مع ايران ثم حرب الخليج من الفترات الصعبة جدا في حياة اسرتها بسبب تدهور الوضع الامني والمعيشي والعقوبات المفروضة على العراق. ومنعت حياة من السفر الى الخارج حين فقدت العمل في الجامعة ، وذلك بسبب ارتفاع رسم الخروج وقانون السفر الجديد الذي نص على بند" الحرم" حيث يمنع سفر المرأة بدون زوجها. وكان زوجها محمد صالح سميسم قد توفي بعد اعتقاله في عام 1982 . وكتبت حياة رسالة الى رئيس الجمهورية تطلب فيها السفر الى الخارج مع ابنتيها بدون محرم لكن طلبها بقي بدون جواب. واصاب حياة الاحباط الشديد بعد ان اغلقت امامها ابواب  العمل والنشر والسفر ..وفي اول أغسطس/آب 1997 وقع انفجار انبوبة الغاز في بيتها الذي ادى الى مصرعها مع ابنتها الكبرى مها، بينما اصيبت ابنتها الصغرى زينب. وفيما بعد قيل ان الحادث كان مدبرا من جهة ما. وهكذا انتهى درب الالام الذي مضت فيه هذه الاديبة العراقية المبدعة بشكل مأساوي.

الشعراء كالعشاق اثنين اثنين

الشعراء كالعشاق اثنين اثنين


بقلم د. يفغيني دياكونوف

..من دعى لحضور العشاء السري

يشاركني في رفع النخب

على شرف سكون بعمق الكون

وسكون عمقه الفؤاد
ليس الشعر بالتعالي الفخور

بل هو الصمت الهش

والترجمة غير الامينة

لذلك السكون الذي بلا قعر
للشاعرة زينايدا ميركينا
توجه الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين  لزيارة صديقته بولينا اوسيبوفا في قرية تريغورسكويه ، وهو يعاني من  اليأس والكآبة  في المنفى ببلدة ميخايلوفسكويه. ففاجأته جارته باهدائه كتابا بغلاف جلدي واصرت على ان  يطلع عليه. وهذا الكتاب هو طبعة للقرآن الكريم المترجم من الفرنسية الى الروسية صدرت في بطرسبورغ  عام 1790 . فأمر بوشكين بالا يزعجه احد وهو  يعكف على مطالعة القرآن ولم يخرج  من المكتب الا بعد ان ابدع رائعة للشعر العالمي اطلقت عليها فيما بعد "محاكاة القرآن".
أقسم بالشفع وبالوتر

اقسمت بالسيف وبالنصر

وقسما بنجمة الفجر

وبصلاة الظهروالعصر
هكذا تبدأ هذة السلسلة من الاشعار التي تضم 9 قصائد لا نظير لها  من حيث قوة التأثير. والمعروف ان كل ترجمة تحاول الاقتراب من الاصل في عبقريته. وكان بوشكين بالفعل شاعرا عبقريا. الا انه كان على علم بمن هو صاحب الكتاب. فلذلك لم يطلق على قصائده "ترجمة  القرآن" بل اكتفي  بوصفها كمحاكاة له. لكن اشعاره لم تصبح اقل عبقرية من جراء ذلك، ناهيك عن انه اشاد بجودة الاصل بقوله:" الفيزياء لا بأس بها، لكن يا لشعر جريء".

حين نطالع ابيات المتنبي العظيم:
 أنا ترب الندى ورب القوافي       وسمام العدى وغيظ الحسود

أنا في امة تداركها  الله              غريب كصالح في ثمود
نحس بمرارة كان يواجهها الشاعر لانه لا كرامة لنبي في وطنه وتخطرعلى بالنا ابيات اخرى:"
انهض، يارسول وابصر

لب ارادتي

وجب البحار والاراضي

والهب بدعوتك قلوب الناس
ولا يعني ذلك اطلاقا ان بوشكين كان عارفا بالقصائد المبكرة للشاعر العربي العظيم الذي اطلق عليه معاصروه لقب المتنبي. الا ان مرجع الاستلهام لكلا الشاعرين هو الفرقان. وكان بوسع كليهما وصف كل منهما كالآتي:"
 ولعتُ بالخيل والليل وشاركت المبارزاتِ

الا اني لم اصلح للفروسية والمغامرات 

بل يا لي من شاعر ويا لابياتي 

وقد مدحت الامراء عشرات المراتِ

وكان منهم احد اشاد بالشعر ومن نظمه

فاعتبرتُ سيف الدولة حاكما، 

ولكنه جعلني اجوب الآفاقَ
وحاكم احدهما هو امير من حلب وحاكم ثانيهما هو امبراطور من بطرسبورغ. وسقط كلاهما ضحية لمكائد ودسائد البلاط وسوء الفهم.
ليف تولستويثمة اديبان عبقريان آخران. وعاش احدهما في اقليم سوري بدولة الخلفاء ضريرا مسدودا في محبس العماء  ومنزله. وقد اطلق على نفسه لقب "رهين المحبسين". وكان ثانيهما سجينا في عزبة "ياسنايا بوليانا"  وسجينا لذويه ومعجبيه. ولم يفهم معاصرو كليهما افكارهما واتهموهما  بالزندقة. واسم احدهما ابو العلاء المعري واسم ثانيهما ليف تولستوي.

فلنلق نظرة الى نتاجهما  وافكارهما لنجد انها متقاربة ومتشابهة الى حد ما. فلنطالع الابيات التالية:
 يحطِّمنا ريب الزمان كأننا          زجاج ولكن لا يُعاد لنا سبك

                                         - - -

  وما الإنسان في التطواف إلا           أسير للزمان فما يفك
                                       

ألا تذكرنا تلك الابيات بتأملات بيير بيزوخوف وقسطنطين ليفين حول مغزى الحياة.  ثمة وصف لاذع للعصر قدمه المعري بالبيتين
التاليين:

 
إذا كان لا يَحظى برزقك عاقل    وتَرزق مجنوناً وترزق أحمقاً

فلا ذنب يا رب السماء على امرىء    رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا


                            

هناك شاعران يتصافحان عبر قرون. وحين نطالع ابيات من قصيدة  "ربابنة" بقلم نيقولاي غوميليوف:
                                  .. فيسحب مسدسه
نيقولاي غوميليف حين يكتشف  التمرد

على متن السفينة
فتتساقط الزركشة الذهبية

من اكمام اشبه بالوردية

تخطر ببالنا ابيات اخرى نظمها  شاعر كغوميليوف المعجب بشعرالجاهلية وديوان الحماسة والمشبع بالروح الحماسية:

السيف  أصدق  أنباء  من  الكتب                     في حدهِ الحد  بين الجد واللعبِ
بيض الصفائحِ  لا  سود  الصحائف   ...            في متونِهن  جلاء  الشك  والريَب
والعِلم في  شهب الأرماحِ  لامعة       ...             بين الخميسَينِ  لا في  السبعةِ  الشهب

 ثمة سلسلة من القصائد عنوانها "ايحاءات فارسية" لسيرغي يسينين ومنها هذان البيتان:
سيرغي يسينينغنيت: "خلف ضفة الفرات     تنمو ورود تشبه الحلوات"

 لو انني كنت من الذوات       لانشدت لي اعذب الغنوات
(ترجمة محمد الطيار)                                                 
ألا تشبه تلك الابيات الخلجات الوجدانية للعاشق الدمشقي الشهير نزار قباني:
أنا عنك ما أخبرتهم .. لكنهم نزار قباني

                                   لمحوك تغتسلين في أحداقي

                                   أنا عنك ما كلمتهم .. لكنهم

                                  قرأوك في حبري وفي أوراقي

                                  للحب رائحة .. وليس بوسعها

                                  أن لا تفوح .. مزارع الدراق
وكان كل من سيرغي يسينين ونزار قباني قد عاشا وابدعا في القرن العشرين. ولكل منهما  مصير ونتاج شعري وابيات واوزان وقواف خاصة بهما. واشتهر كلاهما في بلديهما وقتها شهرة لا مثيل لها. وتغنى كلاهما بجمال واناقة نساء الشرق. وكانا محبين ومحبوبين.
اوسيب مانديلشتامثمة اوسيب مندلشتام  ومحمد الماغوط المعاصران الى حد ما. وعاش احدهما في النصف الاول للقرن العشرين بروسيا، وثانيهما - في الثلث الاخير منه بسورية. فلنصغ الى ابيات  كتبها مندلشتام:
نعيش دون ان نحس تحت اقدامنا بارض بلدنا

عن بعد عشر خطوات ليس الا لا نسمع  كلامنا

وتكفي اشارة خفيفة اليه بالتلميح

لكي نتذكرالجبلاوي من الكرملين.
ثم تأتي ابيات الماغوط:
ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه

أو قبعةً من فرجة باب

حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها

ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه

كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات

تطارده من شريان إلى شريان.

عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي

المأساة ليست هنا

في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار

إنها هناك

في المهد.. في الرَّحم

فأنا قطعاً

ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه

بل بحبل مشنقة.
لا يفهم تلك الابيات غالبية الاوروبيين الذين نسوا ما معنى دولة استبدادية او  لا يبالون بها على اقل تقدير.  لكنها مفهومة كل الفهم للروس والسوريين الذين لا يزال

ختم الاستبداد يطبع عقولهم ، وهم يعصرون قطرة فقطرة  لكي يخرجوا العبد من نفوسهم على حد تعبير انطون تشيخوف.


بوريس باستيرناكثمة شاعران آخران لا يمكن الا ان يقارنا. وهما الروسي بوريس باستيرناك والسوري ادونيس.اذ  اولع كلاهما ايام الشباب بتجارب حول شكلانية الشعر ومعانيه الباطنية وتوصلا بعد النضوج  الى فهم شفافيته وينابيعه  الصافية. وقد وصف بوريس باستيرناك الشعربقوله:
         انه صفير حاد كنضوج الثمر

         انه فرقعة بين كسرتي جليد

         انه ليلة الصقيع التي تثلج ورقة الشجر

                                             انه عندليبان يتنافسان في التغريد


اما زميله من طائفة الشعراء ادونيس فيقول بهذا الشأن:



أجمل ما تكونُ أن تُخلخلَ المدى


والآخرون - بعضهم يظنّك النّداء

بعضهم يظنّك الصّدى

أجمل ما تكون أن تكون حجةً

للنور والظلامِ

يكون فيك آخر الكلامِ أول الكلامِ

والآخرون - بعضهم يرى إليك زبدًا

وبعضهم يرى إليك خالقًا.

أجمل ما تكون أن تكون هدفًا  –

مفترقًا

للصّمتِ والكلامِ
فيودور تيوتشسيفحين نطالع سطورا متسائلة كتبها فيودور تيوتشيف بصوته المدوي في الصحراء واحتجاج روحه اليائسة
من اين أتى هذا الخلاف الشاملُ؟

لماذا تردد النفس غير ما يغنيه البحر

ويهمس به القصب المتأمل
ونسمع ابياتا متسائلة اخرى كتبها شاعر المهجر إيليا ابو ماضي في رائعته "طلاسم":
أنت يا بحر أسير آهِ ما أعظمَ أسرَكْ

أنت مثلي أيها الجبار لا تملكُ أمرَكْ

أشبهَتْ حالُك حالي وحكى عذريَ عذرَكْ

فمتى أنجو من الأسْرِ وتنجو؟

لست أدري..

هناك عملاقان كانا قد تنبآ بمستقبل بلديهما ولا يمكن الا ان يعانيا من  مآسيهما.

وهما الروسي الكسندر بلوك الذي كتب عن بلاده يقول:
 معركة الى الابد! .. الراحة محض حلم

تلوح في الدخان والدماء

تطير مهرة السهوب .. تنطلق

تدوس بحوافرها الاعشاب

ولا نهاية! وتمرق الفراسخ ، الجروف ..

توقفي!

تمر ، تمر السحب المذعورة

                                   وافق المغيب مضرج بالدماء ،

                                    سيلا يتدفق من القلب!

                                   فـأجهش يا قلب بالنحيب ..
والشاعر العراقي بدرشاكر السياب الذي تنبأ بقصيدته الشهيرة "انشودة المطر" التي نظمها في خمسينات القرن الماضي تنبأ  بالمآسي المرعبة التي سيواجهها الشعب العراقي في مطلع القرن الحادي والعشرين:
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود

ويخزن البروق في السّهول والجبال

حتى إِذا ما فض عنها ختمها الرجال

لم تترك الرياح من ثمود

في الوادِ من أثر

أكاد أسمع النخيل يشرب المطر

وأسمع القرى تئن  والمهاجرين

يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع

عواصف الخليج  والرعود  منشدين :

مطر ...

مطر ...

مطر...
ايفان بونينفي الحقيقة هذه الاسئلة نفسها تعذب عقول وقلوب الشعراء مهما كانت المدارس التي ينتمون اليها والعصر الذي يعيشون فيه. ويكمن سبب ذلك في ان الشعراء الحقيقيين مهما كان موضوع ابداعهم وافكارهم  يدورون دوما في موضوع واحد وهو موضوع الحب والموت.
وكان ايفان بونين الشاعر الروسي العظيم والحائز على جائزة نوبل في الادب يقول عن نفسه:" انا رجل مثل اله محكوم علي ان اعرف احزان كل البلدان والازمنة". وبعد حجه الى الاماكن المقدسة  في فلسطين والشرق العربي تمكن من التوغل الى اعماق نفس العربي المسلم  حين كتب:
ما أكثر الممالك والحكامَ

وكننا نحب البساتينْ

ما أجمل المقاهي والحانات

فعيننا قريرة بالميادينْ
والحق ان تلتمس الراحة بالصلاةُ

 فان خالقنا يحبُ المؤمنينْ

 سبحانه تعالى عز وجل

  لا يقبل من الكافرين بالزكاة

  واذا مدحوك فقلْ اللهُ اكبر

  وان حبسوك فردد الحمد لله

   ولا تكن كالحرباء

   تلبس لكل حالة لبوسها


ألا تعتبر هذه الابيات عزيزة على  قلب اي روسي.  الشاعر حين يكتب عن شعب آخر يقصد نفسه على اي حال بيد ان الشعر الحقيقي ما هو الا سيرة الشاعر ذاته.

امامنا شعران متباينان. واحدهما الشعر العربي الذي ابتدأ من هؤلاء الفرسان  والصعالكة الذين تغنوا في رومانسية بعيش البدو ونظموا روائع من المعلقات وغيرها. ومنهم امرؤ القيس وطرفة وعنترة والنابغة الذبياني وسواهم.  وشهد هذا الشعر ازدهارا لا مثيل له على يد كل من ابي نؤاس والمتنبي  وابي تمام  وابن الرومي وابناء عصر الخريف الذهبي  مثل ابن العربي وابن قزمان ثم زمان الانحطاط والتخلف الذي طال قرونا والنهضة مع جبران خليل جبران واحمد شوقي وبدر شاكر السياب وابي القاسم الشابي و محمود درويش وغيرهم.

هناك الشعر الروسي الذي انطلق مع ديرجافين وجوكوفسكي ثم شهد عصرا ذهبيا  مع ليرمنتوف  وتيوتشيف  ونكراسوف وفيت وعصرا فضيا مع كل من بلوك وبونين واخماتوفا  وفولوشين وتسفيتايفا وخليبنيكوف وعلى رأس الجميع بوشكين العظيم، وتمكن هذا الشعر من البقاء في زنزانات ستالين وتحت الدوش البارد للاشتراكية الواقعية وهو يواجه الآن ايضا اوقاتا بعيدة عن المثالية. فيبدو لاول وهلة انهما لا يربطهما ببعضهما رابط . – ولكن ، كلا ثمة شيء واحد يجمع بينهما وهو اقوى من اي تناقض مهما كان. وهو الحب والموت بصفة محركين لاي شاعر حقيقي ولاي شعر عظيم.

قصة عشق ... روميو وجوليت

 
روميو وجولييت قصة تحكي عن عاشقين صغيرين قدر لحبهما بالانتهاء نهاية مدمرة، لما يخيل لهما قط ان حبهما سيكون السبب في نهايتهما المأساوية تلك، هذان الحبيبان لم يفعلا شيئا خطأ الا انهما وقعا في الحبزهناك ثلاث عوامل ساعدت على نهايتهما وهي الشقاق بين عائلتيهما، خيانة الممرضة لجولييت وأهم عامل هو القدرفالشقاق بين العائلتين كان عامل ساعد على انهاء حب روميو وجولييت. فالعائلتين مونتاجيو وكوبليتس كلن بينهما العديد من المشكلات وكان بينهما كراهية شديدة وتلك الكراهية كانت سببا في العديد من المشكلات بين روميو وجولييت وكانا العاشقين على علم بتلك الكراهية لذلك أخفوا زواجهما لانه اذا علم اهليهما بزواجهما فسيجعلا حياة اطفالهما بائسة. فلن يتمكن روميو وجولييت من رؤية أحدهما الاخر فكلا من العائلتين كانا يتمتعان بعند شديد وكان من المستخيل مصالحتهما في النهاية نعلم ان الشيء الوحيد الذي قد يجمع العائلتين هو موت روميو وجولييت.لان روميو وجولييت قد اخفيا زواجهما عن عائلتيهما فقد لجأوا الى اناس اخرين طلبا للمساعدة فاحايانا يعطي لهما تلك الاشخاص نصيحة خاطئة او حتى يقوموا يخيانتهما فالممرضة على سبيل المثال خانتهما على الرغم من انها كانت مقربة لجولييت فقالت لها انه من الافضل الزواج من باريس ولذلك تركت جولييت وحيدة في ذلك الموقف ولم تساندها. جولييت كانت فتاة عاقلة ولكن كان من الافضل ان تجد شخص ما بجانبها ولذلك هربت جولييت واتخذت بعض القرارات الحاسمة فمن رايي اذا بقيت الممرضة معها كانت الاشياء تغيرت ولم تنتهي بتلمك الطريقة المأسوية.عند النظر الى نهاية روميو وجولييت تجد ان العامل الاساسي كان القدر فالقدر فوق كل شيء دمر روميو وجولييت فمنذ البداية كان من الواضح نهاية العاشقين المأساوية، قد يقول البعض انه من المستحيل تغيير القدر قد يكون مقدرا لروميو وجولييت تلك النهاية المأساوية تى ينتهي الخلاف بين عائلتيهما.من الاشياء التي تثير السخرية حفلة لااقنعة التي جعلت جولييت تقع في حبه دون ان تعرف من يكون فاذا عرفت من كان فربما لما كانت وقعت في حبه على الاطلاق.في النهاية، منذ بداية القصة ويتضح ان حب العاشقين سينتهي نهاية مأساوية، انه من المحزن انهما كانا عليهما الموت بتلك الطريقة هناك جملة قيلت في المسرحية وهي تلخص هذه القصة "لا توجد قصة بها حز ن أكثر من قصة روميو وجولييت."


 

الجمعة، 25 مارس 2011

التعساء


هل التعساء قساه انانيون لا يهتمون الا بانفسهم ؟؟؟؟ ام كما يقال الانسان التعيس هو الاكثر احساس بالام الاخرين واوجاعهم , لان من ذاق الالم هو الاقدر علي تقدير تأوهاته ؟؟؟

قابلني هذا الطرح الصادم بعض الشئ للكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع , وكان محور الموضوع قصه للكاتب الروسي الشهير انطون تشيكوف .. فتحكي القصه عن طبيب يعاني من فقر مدقع هو وزوجته ويزيد الامر سوءا اصابة ابنهم صاحب الستة اعوام بمرض خطير " الديفتريا "يفشل الاب ان يفعل شئ حياله , ليلفظ ابنهم الوحيد انفاسه الاخيره امام اعينهم , ليصيب الذهول والصدمه الوالدين لكن في تلك اللحظه يسمع الطبيب طرقات متلهفه علي الباب , وعندما يفتح الباب يجد رجل تظهر علي هيئته علامات الثراء بجلاء يطلب منه ان يساعده لانقاذ زوجته.. - حيث حدث انها بينما تشرب الشاي معه ومع صديقه اذ بها تمسك قلبها وهي تتألم- , الطبيب حاول ان يوضح له فجيعته وانه لم ينم منذ ثلاث ايام وان ابنه الان يرقد امام زوجته بعد ان فارق الحياه وانه يصعب عليه ان يتركهم الان بمفردهم ... لكن الرجل يصر علي طلبه متوسلا فلا يوجد طبيب غيره الان في المنطقه , وبعد طلب ورفض مستمر يستجيب عندما يذكره بواجبه كطبيب وان زوجته قد تلقي مصير ابنه ويرافقه لبيته..

ثم تكون المفاجاه عندما يصعد الرجل ثم ينزل وعلي وجهه علامات الصدمه وهو منكس الراس , الزوجه تركت له ورقه تخبره انها هربت مع صديقه وان ما فعلته مجرد حيله خادعه , الرجل مفجوع بخيانة زوجته ويحاول ان يبث شكواه للطبيب , لكن الطبيب ينفجر في ثوره غضب في وجه الرجل , وبدلا ان يشعر بالرثاء والشفقه من اجله يصب عليه حنقه متهما اياه انه ومثله من الاثرياء لايشعروا باوجاع الاخرين لاسيما الفقراء فهم لا يكترثون سوي بمشاكلهم التافهه , الامر كاد يصل للتشاجر بالايدي وكل منهم لا يسمع الاخر متهما كل منهم الاخر انه لا يشعر بمصيبته , لذا كان النتيجه الذي استخلصها الكاتب الروسي ان التعساء قساه انانيون شريرون ظالمون منشغولون بذواتهم دون اكتراث بالآم الاخرين

بالتاكيد الراي صادم , هل حقا التعساء لا يشعرون باوجاع الاخرين , وهل نحن من حقنا ان نصدر احكاما علي الاخرين فنري في شكوي احد لنا امر تافه لا يقاس ربما بما نعانيه ؟؟

انا رايي الشخصي ان ما خلص له الكاتب الروسي هو جزء من الحقيقه وليس كل الحقيقه , فبالتاكيد كثير منا لديه اوجاعه الخاصه , فمنا من يعاني من فراق عزيز عليه ...ومنا من تعرض للخيانه من اقرب الناس اليه او جحود حبيبه الذي بذل الكثير من مشاعره من اجله ... ومنا من يتعذب بالام مرض ربما يكون صعب الشفاء منه ..ومنا حتي من يشعر بتعاسه لا يعرف لها سبب محدد فربما تكون لديه مجموعه من الاسباب المتشابكه لتعاسته ..والانسان في بعض اللحظات يكون غير مستعد لسماع شكوي احد ويشعر ان مصيبته هي الاعظم في الكون , او كما يقول الكاتب عبد الوهاب مطاوع , هناك لحظة الذروه في الالم فمثلا ليس من العدل ان نلوم شخص ملابسه تحترق انه لم يهب لنجدة جاره الذي شب حريق في جاره , او اطلب من شخص يتلوي من الالم ان يتأثر بوجيعتي ...
لكن لا يمكن ان ننكر ان بعض الاشخاص هم انانيون حقا فنجد من يصرخ ويصيح وربما يصب لعنته علي الاخرين لان شوكه جرحت اصبعه بينما هو لا يأبه باحد او يهتم باوجاع احد
الموضوع معقد بالتاكيد , الا اني استخلط بعض النقاط الهامه
الانسان في قمة وجعه لايمكن ان يتحمل شكوي الاخرين بل هو يحتاج من يربت علي قلبه ويمسح دموعه ويسمع لاناته ..
ليس من حقنا ان نصدر احكاما قاسيه علي الاخرين فنعد شكواهم هي محض امور تافهه , فلا يمكن ان ندرك مقدار عذابات شخص حقا الا اذا امتلكنا قلبه وشعرنا باحاسيسه ..
لا يجب ان ننغلق علي ذواتنا فيري كل منا مصيبته هي الاعظم وان احزان الكون كلها لم تجد لها مرفأ سوي قلبه , فبدل ان يبكي كل واحد منا علي وجعه فلينظر حوله سيجد العالم يمتلئ بالشقاء وان عذابات البشر هي اكثر بكثير مما يعانيه , وان الاولي له ان يمسح دموع الاخرين بدل ان يلعن انانية البشروقسوتهم

متعة السعاده وقمتها











كان الفيلسوف فولتير يتناول عشاءه فى هدوء عندما اقترب أحد الأدباء و كانت نظرات الفيلسوف تغريه بالاقتراب

و تستدرجه إلى التساؤل . ووقع الأديب فى مصيدة الفيلسوف و سأله : و لكن ماهى السعادة ؟ .....هز الفيلسوف كتفيه ثم نظر إلى الأرض

كأن السؤال أثقل من أن تحمله كتفا الفيلسوف فتركه يسقط على الأرض و مضى يكمل طعامه و عاد الشاب يسأل و كان رد فولتير : هذه هى السعادة .

أن تجد ما تأكله و أن تستطعم ما تمضغه و ألا يضايقك أحد بالسؤال عن شئ


ربما رأى فولتير السعادة هكذا ... انها التمتع بأى شئ دون إزعاج من قِبل أحد ....


و لكن كيف تدوم السعادة هذه هى المشكلة .... ربما إذا مشيت على وصية فولتير بأن تتمتع بأى شئ و إن كان بسيطا وتافها ...

سرعان ما تجد ما يحملك من السعادة إلى التعاسة و ذلك لانك لم تستطيع ان تحول أى شئ مزعج إلى شئ ممتع ...

و حقا هو شئ عسير , أن تستطيع أن تبتسم فى وسط بركة أحزانك ...


او انك تتفائل فى وسط بركاين تشاؤمك ...


فإذا كانت السعادة عند الاب انه ينجب أبناء ... وإذا كانت السعادة لدى الطالب أن ينجح و يتفوق .... و إذا كانت السعادة لدى الحبيب أن يجلس بجوار محبوبه إلى

الابد ... و إذا كانت السعادة لدى البشر هى المال والرفاهية ....


إذن ما أسهلها السعادة ...


و لكن إذا منّ الله على الاب بالابناء و الطالب بالنجاح و الحبيب بالبقاء طول العمر مع المحبوب و ان البشر صاروا جميعهم ذو مال و رفاهية ....

هل تعتقد انهم سيصبحوا فى سعادة أبدية .... لا اعتقد ... لان الاب سرعان ما سيدخل فى دوامة المسئولية ... و الطالب سرعان ما سيواجه الحياة وحيدا بعد

التخرج

.... و بين المحبوب والحبيب سيكتب الفراق لا محالة سواء كان الفراق أى الوادع أو الموت لانها سنة الحياة
....

و البشر إذا صاروا جميعهم اغنياء و ذو مال و جاه سرعان ما ينسون فضل الله عليهم و يبدأون بالعصيان والظلم ...


لكن السعادة الحقيقية هى الموجودة فى كلمة (( الحمد لله ))

قال الله تعالى : ((لئن شكرتم لأزيدنكم ))


وجاءت لازيدنكم مفتوحة المعنى أى لم يحدد الله ماهية الزيادة .... أى انه سيزيدكم مالاو صحة وسعادة أيضاااا ولكن إذا شكرتم الله

...


كثيرا ما نرى أناسااا معذبين لا يشعرون بالمتعة فى حياتهم ولاحتى فى مماتهم ...

ذلك لانهم قد أعرضوا عن شكر الله عز وجل ...

قال الله تعالى : ((و من أعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى))

أى انه لن يتمتع لا بالدنيا ولا حتى بالآخرة

فليجعلنا الله من القوم الشاكرين .....

ترحــــال





تَعْلمينَ أننىْ أكْرَه الْلقاء

أَكْره التوددَ للنجوم ِ

كالبحرِ أطردُ اللآلئ القديمة

لأننى أكرهُ الإيابَ

أكره التعلقَ بالقديم ِ

كالبحَّار أتركُ فىْ

كلِ ميناءِ حبيبة

أتركُ بصمتَى فىْ كلِ ميدانِ

فىْ كلِ بلدة غريبة

لكننى دائما أعودُ وحدى

فعاشقُ المجهولِ

لا يقفْ حيثما أراد الآخرونْ

فكيفَ تسأليننى البقاءْ

تسأليننى أطواقَ الياسمينْ

و الرَحيْل خَلْفى, يَنتظرْ المَسيرْ

فلستُ حادى الجمالِ

يُركّبُ الغوانىَ هوادجَ النساءْ

بل أنا كالهلالِ

فِىْ كُلِ لَيْلة يَزْدادُ إحتدابا ً

فلا تُقَاربينى المَجْلِسَ

فلن تُطاولى النجومَ

مهما زدتى إقترابا ً

و لا تُرْهِقى الأناملَ

فِىْ كِتَاْبَةِ الرسائلْ

فأَناْ كالريحِ دَاْئِماً رَاْحلْ

امرأه على طاولة نزار






بينما كان يتناول عشاءه فى إحدى مطاعم لندن الكبيرة تراءت له بفستانها الجميل المطرز الأحمر اللون .... لم
يفاجأ نزار قباني بها فكان يظنها إحدى المعجبات الحسان .... فنظر لها بعينيه الزرقاء و ابتسم ابتسامة باهتة ...
فدنت منه كأنها تعرفه حق المعرفة ...ثم اتخذت مقعدا على نفس المائدة التى يجلس عليها .... و حملقت فى وجهه
برهة .. و فى اندهاش سألها نزار : من أنت ؟ ... ردت : أنا شهرزاد ... أتيت لك من الشرق ... فامتلأ المكان
بالصمت للحظات .. ثم ابتسم نزار قائلا : شهرزاد الأساطير .... تلك المرأة الذكية التى حولت شهريار الملك
الطاغية سافك الدماء إلى رجل مهذب ...
- نعم .... أنا هي ...
- لو كنت أعلم ... أنك بهذا الجمال لكنت أنفرد لك بقصيدة أصور فيها جمالك الفتَّان هذا ... أنتي امرأة جديرة أن
يجلس بجوارك رجل أكثر من ألف ليلة وليلة ...
- احمر وجه شهرزاد فى حياء و قالت : أشكرك على تلك المجاملة ... ولكن دعنى أخبرك عن سبب مجيئي إليك ..
- رد نزار فى ثقة منقطعة النظير : لابد أنك معجبة بقصائدي و تودين لو أن أوقع لك على إحدى البطاقات
الفارغة كي تأخذيها كتذكار ...
- نعم أنا معجبة ولكن ليس هذا كل شيء ... فلم أجيء من بلاد الأساطير من أجل تذكار ... ولكن من أجل أن أفهم و تفهم جميع النساء .... فأنا رسولة أرسلني إياها نساء بلاد الأساطير فهن يردن أن يعرفوا المزيد عن شاعر المرأة والحرية .... فها أنا هنا كي أجرى معك حديث ... كما تسمونه فى زمانكم حديث صحفي ...
- حسنا ً و أنا موافق ... ما دامت النساء يريدون ذلك ...
- إذن فلنبدأ بالسؤال الأول : اعلم أنك قد ولدت فى دمشق ... فمن الطبيعى أن تكون طفولتك مليئة بالمد والجزر و التعلق و الإستغناء .... فكيف كنت ترى طفولتك ...
_ آه لقد أعدتينى إلى الوراء , و ذكرتينى بالماضى والذكريات الجميلة , فأنا ولدت في مارس 1923 في بيت
وسيع من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني،، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورثت الحس الفني المرهف عن عمى أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وباذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري. امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى
أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل. عنيت في بداية حياتي
بالرسم. فمن الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان. أرسم على الأرض وعلى
الجدران ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقى ولكن مشاكل الدراسة
الثانوية أبعدتني عن هذه الهواية
- رائع.... طفولتك توحي بنبوغ و موهبة فطرية حقيقية ... و لكنك بعد تخرجك وعملك بالسلك الدبلوماسي ... وعينت سفيراً لسوريا فى مصر وسفير الجمهورية العربية المتحدة ... فلماذا بعد تلك المكانة التى وصلت لها , ترك العمل الدبلوماسى ؟
- لقد تركت العمل الدبلوماسى لاننى قررت التفرغ التام للكتابة فرحلت إلى بيروت ذلك البلد الجميل و أنشأت دار نشر باسمي ... و تزوجت من بلقيس الراوي و قضيت فترة طويلة من عمري هناك ...
- هناك إشاعات وأقاويل جعلتك في نظر الجمهور شاعر ثوري منشغل بقضية المرأة فلماذا كل هذا الاهتمام بقضية المرأة ؟
- لست ثورياً .. ولكن كان لانتحار شقيقتي التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياتي, قررت بعدها محاربة كل الأشياء التي تسببت في موتها ... فالحب في العالم العربي سجين و أنا أريد تحريره، أريد تحرير الحس و الجسد العربي بشعري .
..... ننتقل لنقطة أخرى ... لماذا تركت بيروت بعد أن نويت البقاء بها ؟ -
- لقد تركت بيروت بعد استشهاد زوجتي بلقيس فى انفجار السفارة العراقية ببيروت ... قد خلف هذا الحادث أثراً نفسيا ً بالغا ً على َّ ... قد رحلت عنى زوجتي وحبيبتي ... وقد رثوتها فى قصيدة تحمل اسمها ...
- يبدو أنك تحبها حب شديد ... رحمها الله ... فلننتقل إلى نقطة أخرى ... هل أثرت عليك جراءتك السياسة في قصائدك ؟
- من المؤكد قد أثرت علىَّ سياسيا ً .... وبالأخص قصيدة خبر وحشيش وقمر التي انتقدت فيها خمول المجتمع العربي ... قد أثارت ضدي عاصفة شديدة حتى أن طالب رجال الدين في سوريا بطردي من الخارجية وفصلي من العمل الدبلوماسي .
نظرت شهرزاد إلى الساعة الكبيرة المعلقة على الجدار المواجه لها ... و تلعثمت عن الأسئلة و قالت في ذعر : يا ويلى لقد تأخرت ... لا بد أن أذهب الآن ... قبل أن يلاحظ شهريار غيابي ... أودعك الآن و سأكمل معك الحديث لاحقاً ..ودَّعها نزار و سرعان ما اختفت ...

شهرزاد




إنها ملكة رغم إنها لا تحمل تاجا و لم تلامس أناملها أحجارا كريمة و لم تنم ليلة على فراش الملكات

لكنها إذا دخلت القصر فتحت لها كل الأبواب فجميع الحراس و العبيد و الجوارى يعرفونها

و إذا سمعت الجدران حفيف ثوبها و لهيب صوتها تعانقت احتفالاااا بها ,

فهى الوحيدة التى تستطيع دخول غرفة الملوك دون أن تمر على غرفة التفتيش و هى أيضا الوحيدة

التى تستطيع أن تدخل قلبى دون أن تمر على عقلى ,

لكم استمتعت بلقائها فى باحة بيتنا , لاننى أشعر معها أننى أنا الملك و أنها إحدى الجوارى , لم أشعر ساعة ً

بكبريائها و لا بغرور جمالها , وأحلت ببسمتها كل ما حولى _ رغم وضاعته _ إلى قصور و حدائق و عبيد ....


هى شهرزاد بكل تفاوتها و تناقضها و قوتها وجمالها و كبريائها و سلطتها و غموضها

و حولتنى معها إلى شهريار القديس الذى لا يقتل النساء بقصائده ولا بجبروته ...

حاولت الهروب من عينيها مرارا لكن دائما تحتجزنى داخل القصر ,

و تأمر الحراس بأن يغلقوا أمامى الأبواب و تأمر العبيد أن يحيطوا القصر بأسلاك شائكة ,

لكنها وعدتنى بأن تحكى لى كل ليلة قصة .... لكننى خائف من مرور الليالى دون أن تكمل لى قصتى

أنا لا قصص الآخرين كما فعلت معى جميع النساء قبلها .... و أخاف أن أصحو من النوم فجأة فاعلم من إحدى الوصيفات

أنها قد رحلت دون أن تخبرنى و دون أن استمتع باللقاء الأخير , فعندها تكون فاجعتى لانها عندما ترحل ستأخذ منى أعز ما يملك

الشاعر _ قلبى _ .

القناع







أَفر من عَينيكِ فِرارا

أفارق خطوك عند المسيرِ

و أُخبأ وجهى خلف الستارة

أخاف المياه و أخشى الهدير

فكيف أعبر وحدى البحارا

أحبك فوق حدود الهيام

لكنى أخشى أن تتركينى

فأصبح عبداً بعد الإمارة

لذلك أصنع قناعى بنفسى

وُأظهر ليلا و ُأخفى نهارا

و أحبس قلبى خلف ضلوعى

و أبنى فى مقلتي َّجدارا

و أزعــم أن قلــبى كفيف

و أن الحب نقيضُ الطهارة

و أغدو وحيدا فوق الفراش

ليَخمد خوفى لهيب الشرارة

فلا تقنعينى بأنى شهيد ُ

فكيف الهزيمة على

شفتيك تغدو أنتصارا

أمات الحب قبلى قلوباً

لأن الموت على ركبتيك

صار إنتحارا ....

من مفكرة طفل باتا كبيرا





الباحث عن الحب كمن يبحث عن قطة سوداء فى غرفة مظلمة , لا يراها و لكن يسمعها



كلنا كاذبون حتى عندما قلت لها أنني أحبها كنت كاذبا


الدنيا شيء ما بين الموت والحياة


الحب كالعدسة المكبرة إن نظرت بها عن قرب رأيت الأشياء واضحة
و إذا نظرت بها عن بعد لا تري شيئا مجرد خطوط متداخلة


الحب والفراق متلازمان


لا تحب حد التعلق كي لا تحزن حد البكاء


كلنا متناقضون إنها طبيعة البشر


لا فرق بين الحب و المال فكلاهما سعادة مؤقتة


الحب ليس إلا صندوق مجوهرات فارغ


الصداقة هروب من الواقع

مناجاة قديسه ... أستثنائيه


( 1 )


يا قديستي العذراء
يا قديسة أحلامي العرجاء
يا جنينا ً مات في خاطري
قبل ترنمي بالبكاء
إنني محدب الظهر
لأنني أعتدت الإنحناء
فلا تنعتيني بالأحدب
فكلنا قد ضاع منه الكبرياء
ناظري دوما للثري
فلم أعد _كما كنت _ أنظر للسماء
لم تعد تعنيني أجرام السماء
لانني لست من أبناء السماء

(2)
يا قديستي العذراء
إن البحر يضجر في داخلي
و يؤرق نومتي هَديره الضجور
و يسحب _ في سباتي _ شراشف الزهور
و تخيفني أشباح ملحه الأجاج
عندما تمس أناملي
فهل لقديستي العذراء أن
تبعد البحر عن سنابلي
عن حلمي المزروع في الرمال
عن شعري المنحوت في الجبال
هل لقديستي العذراء أن
تسقيني رشفة من المسيل
فريقي مرُ كالحنظلة
و ظهري محني كالسنبلة
أبحث في القفر عن نهرك النبيل
أبحث عن شعرك الطويل
علَّني في سواده أذبذب
مشاعري الخاملة
عل ظهري للرياح يستقيم
عل نقاء النهر يطفئ حقارة الزنيم
علًّ الطليس و الطليح
و الضريك يستريح
علًّني يا قديستي أستريح

قناديل







تتسللين علي
أصابع أقدامك الصغيرة

و في يديك قنديل ينير
وحشة الدجي

و أنا مغرق في دفاتري
القديمة
أدون مشاعري
منزوعة الهوي

تهمسين فأذكر
حلمنا العظيم , أترك
الجميع لأبحث
في السماء
عن سنا

أذكر كيف كنا نمضي
في اليم مطرقين
حتي يدركنا الكري

نعود و الماء يسقط
من وجنتينا و نميل
في المسير حتي
نفترش الثري


البعد زادني فيك تأملا
فمتــي ينتهي العذاب
و يموت النوي

هواء وجنون


من أجل المجهول كنت أكتب الشعر , من قبلك كنت أبحث عن اللاشيء


بعد أن قابلتك و أحببتك ... و رغم كل ما كان مني ... انتهي نبشي عن الأشياء الغريبة...

وبدأت حياة جديدة جدرانها الشوق و أثاثها العشق .

و الغريب الذي أخفيته عنك أنني في كل يوم أزداد بك اقتناعا و ارتقي بحبك مراتب الهيام


كانت تنتابني لحظات الشك و لكنها سرعان ما تموت عندما أقارن بينك وبين الأخريات



فاعلم أن الله قد اصطفاك لي وقد اصطفاني لك




في ليلة كنت اجوب غرفتي الصغيرة ذهابا وإيابا كأنني أبحث عنك في داخل الغرفة


وجهك مازال محفورا علي الجدار .... حتي هداياك مازلت معطرة بمنديلك الأبيض



لك الحق ان تعجبي مني ..... فأنا غريب بطبعي و اعلم ذلك


هوائي أميل للجنون



أحب واكره اموت واحيي في نفس اللحظة


يتشابك و يتقلب شعوري في لمح البصر




اتعبتك جدا دون قصد مني



كنت أنام بينما كنت أنت تسهرين



كنت تواسيني و تدعين لي و تشعريني أنك انت صاحبة البلاء


و لكنك مالا تعلمينه أنني عندما كنت نائما كنت أحلم بك


و لم أتجاهل شعروك قط


و لكنني موجة أعلو أهبط في البحر حتي أسكن لميناء عينيك


و ليس لي سواك بعد الله فإن رحلتي عني ... لن يبقي لي غير الله أشكو له وأرجوه الفناء




بكائيات الثانيه





يا بكائى ما عدت تريح

فكأنى نار و كأنك ريح

تزيد الوهج و الوهج مرير

و تضيّق قلبي و قلبي فسيح

ما إن مشيت درباً طويلاً

حتي لمحتك سراباً طليح

فإن دنوت أراك كواحة

عليها الخلائق لا تستريح

إن غنيت الحياة لحزني من

غيرك يسجي عليَّ الضريح

البكائيات

مجاراة لمسكين الدارمي






ابكِ و لا تُلقي بالا ً لدهر أسود
إن ضقتي قادتك أقدامي لباب المسجد

يا عين إن للقلب زفرة لا يبوح
بها إلا في سنا دمعك المتجدد

أنا الضليل , تتلعثم الخطي مرغومة
فإن لم أُُهدي بالبكا لن اهتدي

لي محراب حزن وجهت وجهي
شطره فيه أديت مناسكي و تعبدي

لي في هذه الأرض موتة لي
أنفس مخطوفة و لي منجل في يدي

أبقر بطون الأمنيات علي سهو
و تحمل ما مات من حلمي ساعدي

أحمل في سفري الطويل ميرة ً
و أحشو حقائبي شعرا ً من أبجد ِ

إن مات كل شيئ في ناظري
 ظلت مشاعري بركان نار لم تتبلدِ