الاثنين، 21 مارس 2016

من أعلام ومشاهير قبيلة السلقا من العمارات من بشر من عنزة



هناك رجال كالجبال الشامخه ...
صحبتهم شرف ...ورفقتهم ضمان ...
والتواصل معهم حق ...ونسيانهم محال ...
والدعاء لهم واجب .
( من أعلام ومشاهير قبيلة السلقا من العمارات من بشر من عنزة )

من مشاهير الشملان من السلقا

* الرفدي شيخ قبيلة السلقا من الأسر المشهورة وقد ترأس الفارس الشيخ ساجر بن رجاء بن عرمان الرفدي قبيلة السلقا واشتهر بالفروسية وبعد المدلى بالإضافة إلى كونه شاعر وله قصائد في غزواته وبرز من الرفدة مشايخ مشاهير منهم الشيخ محمد بن ساجر ومرضي الرفدي الشجاع المعروف ودحام وكسار ومطارد وقرمان وغضبان وحوران بن سلامة الرفدي ومحمد بن سرداح الرفدي من أعيان عنزة بالكويت والشيخ حالياً سليمان بن مرضي الرفدي 0
* الرميزان من الشملان بيت كرم وفروسية منهم ذياب وشهاب الرميزان ومن الكرماء الأجاويد حمود بن رميزان الملقب ( أبو روجاحة ) 0
* السبهان من الكلوح وحالياً كبير الكلوح كريم بن طواري رئيس هجرة العقيلة وهو من أهل النخوة والحمية * أبن محيوي كبير المحاوية من الشملان وكانت لهم سابق رئاسة ومنهم رؤساء هجرة جدعا وسمحة في منطقة خيبر ومن نوادر رجالهم : مضحي بن محيوي وعواد بن محيوي وجمعان بن مفرح بن محيوي وسودان بن محيوي ومعزي بن سودان وعواد بن فوزان المحيوي ومريقب بن فوزان والخلاوي بن عواد ومطلق بن مدلول المحيوي وقالط بن مطلق وخلف بن مفرح المفرح وبعيجان وفرحان بن مناكد المفرح وجدعان وجبار بن محيوي ...
ومنهم :علي بن معزي بن سودان بن محيوي وكان عضو في مجلس المدينة المنورة وهو كبير المحاوية وصاحب هجرة جدعا والخراويع بمنطقة خيبر ومرزوق بن قالط بن محيوي صاحب هجرة سمحة ومن قراهم الهذلولي والرايغة 0
* العود من فرسان الشملان ومنهم : جازي العود 0
* أبن بويتل من فرسان البشير من الشملان ومنهم درع بن بويتل وشري بن بويتل 0
* ابن دباس من فرسان البشير من الشملان ومنهم : هليل بن عوض 0
* الخطاط من وجهاء وفرسان البشير من الشملان ومنهم : رويحل الخطاط 0
* الوبزة من وجهاء المراجلة من الشملان ومنهم عبدالله الوبزة 0
* ابن صبيح من كبار المراجلة ومنهم غصن وغصين وحالياً عبدالله بن قايم بن محفوظ رئيس هجرة البويطن بمنطقة الشملي 0
* طحيمر بن رفيع المرجلي من فرسان المراجلة من الشملان 0
* مسدح بن ثويلين وأبنه قيران بن مسدح عمدة عنزة بالرياض من كرماء المراجلة 0
* ابن معيتق كبير الرشدة من الشملان وصاحب هجرة البلازية ومن المعيتق رجال مشاهير منهم مناكد بن معيتق وجفال بن معيتق ومحمد بن معيتق والشيخ الشاعر عبدالرحمن بن معيتق وغيرهم الكثير من رجال هذه الحمولة 0
* العفري من حمايل الرشدة ومنهم مطر وفرحان ومفرّح ومعيض العفري



من مشاهير الجبور من السلقا

* الفارس وشيوش خيال العطفة الذي قتل عكلي قائد موقعة خيبر 0
* العبدالله كبار الجبور وهجرتهم البردان في منطقة حايل وهم حييان ومطيران من الشرمان من الجبور 0
*التومان وهم الفنسان من الزيود من الجبور منهم عقدا وفرسان ومن فرسانهم ضاهر الأفينس الملقب خيال العمارات ومتعب الأفينس ومسلط وجديع والعيط ابن تومان الأفينس 0
* المدحل كبار الجليمات من الجبور ومنهم فرسان 0
* الزقرت من كبار الزيود من الجبور ومنهم مطر الزقرت والفارس ناصر الزكرت 0
* عايد بن سند من فرسان الزيود من الجبور 0
* شلاش الدعيجي من وجهاء الزيود من الجبور 0
* مقبل بن تركي من فرسان الجبور 0
* اللميع من وجهاء الجبور 0
* الخبزان من وجهاء الجبور 0
* أبن زامل من وجهاء الجبور 0
* الهوشان من وجهاء الجبور 0
* معيض بن نمر من فرسان الجبور ويلقب خيال الرفدي
* عيادة بن بهش من وجهاء وفرسان الجبور 0
* فجري بن نويصر من وجهاء وفرسان الجبور 0
* متعب ومعيض وابن نويصر من وجهاء الجبور 0
* أبن دهيم من وجهاء الجبور 0
* أبن بخيتان من وجهاء الجبور 0

من مشاهير البجايدة من السلقا

* جني راعي الأجرد جد البجايدة ورد له ذكر لدى رواة البجايدة وأبنه عبية بن جني راعي الأجرد له قصة معروفة وهو من الشجعان 0
* أبن شامان شيخ البجايدة ومنهم رئيس هجرة البجايدة بمنطقة الشملي الشيخ حمود بن شافي بن شامان وهو من دهاة الرجال ومن ثم أبنه منوخ وحالياً الشيخ سفاح بن حمود ومن مشاهير هذه الحمولة مضهور بن شامان ودايخ بن شامان وشافي بن شامان وفهاد بن شامان وهديرس بن شامان وخضير بن مدوخ الشامان ودايخ بن شامان والأسود بن شامان ومحسن بن شامان وجميع رجال الشامان افاضل 0
* ابن حامد من حمايل البجايدة ومنهم : الفارس زيد بن حامد 0
* أبا الخساير من حمايل البجايدة ومنهم عقدا وفرسان وأهل كرم ومنهم الكريم الشجاع عمر أبا الخساير فارس وكريم وشاعر وثاري أبو الخساير وعمران أبا الخساير 0
* العدواني من مشاهير البجايدة ومنهم : العقيد الشاعر مريبد العدواني0
* الجبجب من فرسان البجايدة ومنهم عبدالله وجزاع الجبجب 0
* البطون من حمايل البجايدة ومن فرسانهم موزم أبو بطن وسطام أبو بطن وسودان أبو بطن وغلول أبو بطن وعواد أبو بطن 0
* السريحي من فرسان البجايدة ومنهم هزاع السريحي شاعر وفارس ونومان السريحي شاعر 0
* الميدان من فرسان البجايدة ومنهم الفارس زبن الميدان
* الدكة من فرسان البجايدة ومنهم مطيران الدكة 0
* ابن مقيبل من فرسان البجايدة ومنهم : عياد وموسى بن مقيبل ومدا بن مقيبل وأبنه سليم 0
* زيد بن شمسان من كرماء البجايدة 0
* زبون بن عوض من فرسان البجايدة 0
* أبن صقيه من فرسان البجايدة 0
* وتيد بن داثان من فرسان البجايدة 0

من مشاهير المطارفة من السلقا

* السحالي شيخ المطارفة ومنهم عوارف ويضرب المثل بهقوة السحالي فيقال ( ما هقاها السحالي ) ومن فرسان ونوادر حمولة السحالية : صقر السحالي وسودي السحالي وكاسب السحالي وبنيان السحالي وذوقان بن دغيم وخلف بن دغيم وعيد بن دهام 0
* الذهاهبة من حمايل المطارفة ومن نوادرهم : صقر الذهاب وبلعاس راعي الزرقا الذهاب وبستان راعي الجنيفا الذهاب جوعان بن منصور ومنزل بن شنيبل وعوض بن شنيبل وعبدالله بن سليمان وزقم بن ركيان0
* الوطيف من حمايل المطارفة ومنهم : غزي بن غزي الوطيف وثعلي بن غزي الوطيف ومناور الحنيفي الوطيف وقايم بن وطيف والعوتي بن وطيف أخو يازي وعبدالله بن سليمان 0
* ومن فرسان ووجهاء السالم من المطارفة : فرز الخليلب وعفات الخليلب وسعود بن ذيب وجرجب الهنيديس ونحيطر الهنيديس 0
* ومن الأزد : بسيس راعي الشعلا 0
* الزلال من فرسان وحمايل السعيد من المطارفة 0
* أبن خشرم من كبار السعيد ومن فرسانهم 0
* العبدان من فرسان المطارفة ومن مشاهيرهم 0
* المحمد من مشاهير المطارفة ومنهم العمدة والم المطرفي عمدة عنزة بالرياض والشيخ صخيل المطرفي والشيخ حمود بن صخيل المطرفي معرف المطارفة في الرياض 0

من مشاهير الحسني من السلقا

*ومن كبار وفرسان ووجهاء فخذ القماقمه من الهوامله من الحسني كبيرهم التريشه ومن مشاهيرهم سلمان التريشه الملقب ( نقال هم عنزة ) وهو فارس ومن أهل الشور والحمية وقد برز من حمولة التريشة ومن مشاهيرهم : سحيمان التريشة وحماد التريشه وسليمان التريشة ودليم التريشة ودخين التريشه ومعثم التريشه وملفي بن خضير وجضعان بن خضير وبن نهير وبشر الفحيل 0
*من كبار ووجهاء فخذ السويلم من الهوامله من الحسني معرفهم حاليا مياح بن حصيني ومن فرسانهم : فلاج بن حصيني وعماش بن حصيني وقريبان الخليفي اخو خزنه وسويد الخليفي وقريبان الخليفي وصمهود الخليفي ودانوق بن زعبي وحضيري بن زعبي وسويد بن زعبي وعلي بن زعبي وجزاع بن زعبي ومهباش بن سهيه وجاسر الحرير وهزاع ابن برغش 0
*ومن كبار ووجهاء فخذ الرباع من الهوامله من الحسني كبيرهم ابن تمران والسهيكي قديمآ ومن فرسانهم : علي بن تمران الملقب ابو كضيرات وابنه خشم بن علي التمران المعروف بفروسيته وأبنه بستان بن خشم وحالياً الراوي بن بستان بن تمران وثويني بن تمران ودبجان ابن دليله وعوض السهيكي وعبدالله السهيكي وحسيب الجماح وبنيه الجماح ونقا المردحي وقاران المردحي ومحمد المردحي ولباد بن مسيب وجزاع بن رمثان ومنادي بن رمثان وعفر بن براك
*والعريان وكنوش بن قاطع وشنوف بن قاطع وثويني بن شنوف بن قاطع والفحوله السبعه وذيبان بن دعيس ووادي الجعباصي وحسيب أبو دليلة ودبجان أبو دليله ولباد بن حسيب أبو دليله ومعزي الجماح وبنيه الجماح 0
*من كبار مشاهير ووجهاء العويضات من الحسني من السلقا اول : من تقدم بالعويضات وسار بهم من نجد الى الشمال هو سعود المسلنقي ثم جاء زايد بن قاران الملقب طويل الفخذ وكبيرهم أبن شمران ومعرفهم حالياً : عواد بن شمران وهدل الدعيدع ويعتبر فخذ النجادا من العويضات من الحسني وهو أكبر فخوذ العويضات ومن كبارهم الدعيدع والخمج ومن فرسان النجادا : ظويهر الخمج وسحيم بن سهيان والياس بن سهيان ومهباش بن سهيان
* وجليل الدعيدع وهدل الدعيدع وملحان الدعيدع ودخيل الدعيدع ورمضان الدعيدع وجبان الدعيدع ودعسان الدعيدع وفريح الدعيدع وملحان الدعيدع وهليل المحيني وعبيد الغوال ودعسان بن جله وعشوي بن مضعان وابن عزول وفياض بن رويشد وسعيد الابح وكردي بن بطي وجلوي بن سبيّل وهلال بن جلوي بن سبيّل وهليل بن جلوي بن سبيّل 0
* ومن مشاهير فخذ المانع ( الخمد ) من العويضات من الحسني : العفري وابن دويمه وابن سحمان ومن مشاهير المانع : عايد العفري ونحو العفري وعذاب العفري الذي إشتهر بالكرم ويضرب به المثل ومسهوج بن صليبي بن سحمان ومجلد بن سحمان ومنيزل بن سحمان وخلف بن سحمان وخشان بن دويمه وطنخر بن دويمه راع الريشا وغدير بن دويمه ومنزل بن دويمه وابراهيم بن دويمه وهو راعي جاه ووجاهه وزلهو بن بخيت 0
* ومن مشاهير فخذ العزيز من العويضات من الحسني : أبن عنين وأبن سعد وعياف بن غثيث بن عنين وعلي بن عنين وهدروس بن مصيبيح ومنادي بن ثلاب وخشان بن ثلاب وزايد المبرك وقعيد المعلم أخوا سعدى وميس بن سعد0
* ومن مشاهير فخذ السلامه من العويضات من الحسني كبيرهم : ابن شمران ومن فرسانهم : شمران بن سعدون ومشعل بن شمران وعوض بن شمران أخو هلة ويقال له ( مزوج العزبان ) وصبر بن شمران وفهد بن شمران وزايد بن قاران طويل الفخذ ومطر بن حماد وغديف بن حماد وونيس الخطيب ووقيت بن شلال وهديرس بن بريكان بن شلال راعي رمحه 0
* ومن مشاهير فخذ العطاعطه من العويضات من الحسني : العمى والعنزي وابن غدير وحالياً أتفق فخذ العطاعطه على ترشيح خليف بن سعيد العنزي على أنه كبيرهم ومعرفهم بتواقيعهم له والموافقه عليه ومن مشاهيرهم : صامل العمى والمعيدي العمى وعبدالله العمى وشريدة العمى وسلطان العنزي ومريزيق العنزي خيال سبلا وظاهر العنزي الملقب المحدد ومعيوف بن غدير وعايد بن غدير وخلف بن غدير وعويض بن غديّر ومشعان بن غديرّ
* وغديف بن غدير وفنش بن بيشان وعصري بن هربان وسحيمان بن هربان ومعيوف الهربان ولهيلم بن هربان وهو من الفهيم والوجهاء ومن صفاته الكرم حتى أنه لقب ( أبو سفاح ) والأسود ابن شحيتان وخريبيش بن قيعان وحسين العنزي ويلقب بالدفاق من كرمه وسعيدبن عضيب البخى وشلاح بن سيفوعبدالله الصاهودوغازي بن فياض0
* ومن مشاهير العويضات أيضاً : فراج بن عبدالله العطار ورحيّل العطار وحبيب العطار وخنيفس بن عذول وخشان بن غلاب ومنادي بن غلاب وعويد بن رحيل وزايد بن رحيّل ومطر العويرفي وونيس بن فلاح وسلطان بن فلاح وقنيطير بن جعوان ومنهم أهل كرم وملوح ابن مديبل
* وسويحل بن غطو قتل في إحدى المعارك 0
من مشاهير المضيان من السلقا
* ابن دخيل من الخنفة شيخ قبيلة المضيان ومن هذه الحمولة رجال مشاهير منهم : ضاهر الدخيل وحالياً أبنه فيصل الدخيل 0
* ابن مريقب كبير الحمايرة من المضيان 0
* ابن سحلان كبير السنيد من المضيان ومنهم عياد بن سحلان وجدوع بن سحلان 0
* ابن حامد من حمايل الحمايرة من المضيان ومنهم هليل بن حامد0
* ابن هيدان من فرسان المضيان 0
* ابن جوفان من فرسان المضيان 0
* العديلي من فرسان المضيان 0
* ابن مسعد من فرسان المضيان 0
* معيوف المطيري من شعراء المضيان 0
* سليمان اليمني من شعراء المضيان 0
* شخير الحلو ( أخو زانه ) من كرماء المضيان 0

***
رجال خًلد التاريخ ذكرهم ...
تناقلت سيرتهم المجالس والقصائد ... كُتب عنهم بالكُتب
تناقلته الملتقيات والمنتديات ...
وها نحن ننقله
رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته .

*
*

السبت، 19 مارس 2016

رواية ذكرى عاهراتي الحزينات

جاء ماركيز فى رواية "ذكرى عاهراتى الحزينات"، فارضاً على العالم كله الموافقة على تقبل عاهراته وصديقاته الحزينات، بغض النظر عن العادات الاجتماعية التى تتجاهل وجود هذه الفئة من النساء العاملات، مثلهن مثل بقية زميلاتهن اللواتى يعملن فى وظائف أخرى.


إن الرواية تحكى قصة رجل عجوز يحتفل فى عيد ميلاده التسعين، ويقع فى حب صبية عمرها 14 عاماً، تعيده إلى عواصف سن المراهقة، إلا أنها رواية شاملة ومركزة، وعلى مدى صفحات الرواية القليلة المقسمة إلى خمسة فصول، يروى فيها عبر ضمير الأنا المتكلم، حياة رجل بلا اسم، لا شىء يدل فى حديثه وحماسته وطريقته فى النظر إلى محيطه والعالم على أنه عجوز فى التسعين.

يتحدث ماركيز فى هذه الرواية عن الموسيقى والكتب، وعن الشيخوخة والشهرة بحماسة شبابية، وسيخيب ظن من يعتقد للوهلة الأولى بأن الرواية تمجد هذا الحب، بصفته ميلاً جسدياً لا أكثر ولا أقل، وتمنحه صفة الشرعية، من هذه الناحية فقط، لتبرير علاقة جنسية من هذا النمط، كما هو شائع فى مجتمعاتنا أيضاً.

وتذهب الرواية إلى ما هو أبعد من ذلك، تذهب إلى العمق، حتى أنها تتحول قصيدة هجاء ضد المجتمع الذكورى، بكل ما تحويه من سخرية لاذعة وكوميديا سوداء، ابتداء من البورتريه الذى يرسمه ماركيز لشخصية الراوى وحتى وصفه شخصية القوادة والصبية، اللتين تحتلان، مع النساء الأخريات، ومع أكثر من خمسمائة عاهرة يتذكرهن الراوى. وأن الرواية تعبر عن قيمة الحلم الذى لم تنجح الشيخوخة بإتلافه عنده، ويكتشف جمال أو قيمة النساء اللواتى عرفهن فى حياته، بل يكتشف للمرة الأولى عندما يقع فى الحب، القيمة الإنسانية للنساء، ليس بصفتهن وعاء لتفريغ رغباته فقط، فهو حتى وقوعه فى حب هذه الصغيرة، لم يحب امرأة من قبل، إنما اعتاد أن يحصل على الحب من طريق العاهرات، لم يحبهن، إنما كان يقضى وقتاً معهن فى مقابل مبلغ من المال، ولكن هذه الصغيرة أيضاً، تجعله يتذكر كل تلك العاهرات اللواتى ضاجعهن فى الليالى البعيدة.

لا تستيقظ العاهرات وحدهن فى ذاكرته، إنما يبدأ أيضاً فى تذكر النساء اللواتى عرفهن تدريجياً، وكأنه يستعيد عن طريق هذه الصبية الصغيرة بصيرته الإنسانية، الجمالية، بعد أن أصابته الذكورة بالعمى قبل ذلك ولعقود طويلة، مثلما تصيب عادة مجتمع الرجال فى البلدان الذكورية، وتدريجاً نتعرف فى الرواية إلى النساء اللواتى أثَّرن فى حياته مثل أمه، فلوريندا، امرأة جميلة تتمتع بحبها للموسيقى والموهبة التى أورثتها إياها، داميانا الخادمة التى رفضت أخذ الأجرة منه فى مقابل فضائلها، كسيمينا المرأة التى كان على شفا الزواج منها، والتى خذلها وهجرها ساعات قليلة قبل العرس، كاسيلدا، العاهرة العجوز التى تحملته بصفته زبوناً مخلصاً ومواظباً وغيرهم الكثير.

والرواية لم تقل أن كل العاهرات حزينات، وليست هى رواية حزينة فى النهاية، على رغم ما بها من الذكريات، وهو يحصى سنوات عمره، وإنما هى رواية تمجد الحياة.


(ما كان يجب عليك أن تفعل شيئا منافيا للذوق، حذرت العجوز ايجوشي سيدة الخان. ما كان يجب عليك أن تضع إصبعك في فم المرأة النائمة أو تفعل شيئا مشابها)
ياسوناري كواباتا
‘بيت الجميلات النائمات’

 ‼️‼️–  –‼️‼️

عندما أكملت التسعين من عمري أردت أن أهدي نفسي ليلة حب مجنونة مع مراهقة عذراء. تذكرت روسا كاباركاس، صاحبة بيت سري اعتادت علي الاتصال بالزبائن المميزين عندما يكون لديها شيء جديد. لم أجذعن أبدا لها ولا لأي من العروض المغرية الكثيرة، لكنها لم تكن تصدق نقاء مبادئي. أيضا من الطبيعي التفكير في موضوع الزمن، كانت تقول، بابتسامة خبيثة، سنري. كانت أصغر قليلا مني، فقدت الاتصال بها منذ سنوات عدة لدرجة أنني فكرت أنها ربما تكون قد ماتت. ولكن مع رنة الجرس الأولي تعرفت علي صوتِها في التليفون، وقلت لها مباشرة وبلا مقدمات:
اليوم نعم.
تنهدت هي: آي، يا حكيمي الحزين، تختفي عشرين عاما وتعود فقط لتطلب المستحيل. ثم عادت علي الفور إلي السيطرة علي طريقتها في التعامل وعرضت نصف دستة من البدائل اللذيذة، لكنها كلها مستخدمة من قبل. أصررت علي الرفض، وأنه يجب أن تكون مراهقة ولهذه الليلة نفسها. سألت هي منزعجة: ما الذي تريد أن تجربه؟. بشعوري بالمهانة في المنطقة المؤلمة، كنت أعرف ما الذي أستطيعه والذي لا أستطيعه. قالت هي بلا إحساس أن الحكماء يعرفون كل شيء، لكن ليس كل شيء: العذراوات الباقيات في العالم حضراتكم من هم في صيف العمر. لماذا لم تكلفني بذلك قبلها بوقت كافي؟، قلت لها: الإلهام يأتي فجأة. قالت هي: لكن ربما ينتظر. هي كانت دائما تعرف أكثر من أي رجل، وطلبت مني مهلة ولو ليومين حتى تتقصي أوضاع السوق. أجبتها بجدية بأنه في تجارة مثل تلك، لرجل في عمري، كل ساعة تساوي سنة. قالت هي دون أدني تردد: إذن لا يمكن، لكن لا يهم، بهذه الطريقة يكون الأمر أكثر إثارة، اللعنة، سأتصل بك خلال ساعة.
لا يجب عليٌ أن أقوله: لأنه يميزني عن بعد عدة أميال: أنا قبيح، وخجول وأعيش خارج الزمن. لكني حتى لا أبدو كذلك فقد بذلت جهدا لإبداء عكس ذلك. وحتى شمس اليوم، الذي قررت فيه أن أحكي عن نفسي بقناعة شخصية، وإنْ كان ذلك لمجرد التخفيف عن ضميري. لقد بدأت بهذه المكالمة التليفونية الغريبة مع روسا كاباركاس: لأنه بالنظر إليها منذ اليوم، فقد كانت تلك بداية حياة جديدة يكون فيها معظم البشر قد ماتوا.
أعيش في بيت كولونيالي علي طوار الشمس لحديقة سان نيكولاس العامة، حيث أمضيت كل أيام حياتي بلا زوجة ولا مال، وحيث عاش ومات أبواي، وحيث قررت أن أموت أنا وحيدا، في السرير نفسه الذي ولدت فيه، وفي يوم أرجو ألا يكون بعيدا وبلا ألم. اشتراه أبي في مزاد علني مع نهاية القرن التاسع عشر، أجٌر الطابق الأرضي المخصص لحوانيت فاخرة إلي شركة يملكها إيطاليون، واحتفظ بالطابق الثاني ليعيش سعيدا مع ابنة أحد هؤلاء الإيطاليين. فلورينا دي ديوس كارجامانتوس، عازفة معروفة لموسيقي موتسارت، وتجيد عدة لغات، كانت أجمل وأفضل امرأة موهوبة في المدينة: إنها أمي.
البيت واسع ومضيء، بأقواس من المصيص وأرضية من الموزاييك الشطرنجي الفلورنسي، وأربعة أبواب زجاجية علي شرفة ممتدة كانت تجلس فيها أمي في ليالي مارس لتغني أغاني حب بصحبة بنات أعمامها الإيطاليات. من هناك يمكن رؤية حديقة سان نيكولاس العامة والكاتدرائية وتمثال كولومبوس، ومن خلالها تبدو مخازن الميناء النهري والأفق الواسع لنهر ماجدالينا الكبير علي بعدين عشرين ميلا من مصبه. أسوأ ما في البيت أن الشمس تتنقل من نافذة إلي أخري طوال اليوم، ولهذا يجب إغلاقها جميعا حتى يمكن نوم القيلولة في الظل الحارق. عندما بقيت وحيدا، وأنا في الثانية والثلاثين، انتقلت للعيش في الغرفة التي كانت لأبوي، وفتحت بابا للمرور إلي غرفة المكتبة مباشرة، وبدأت في بيع ما زاد عن حاجتي حتى أعيش، حتى بعت كل شيء تقريبا، ما عدا الكتب والبيانولا اليدوية.
عملت لأربعين عاما نافخا في كابلات صحيفة الدياريو دي لا باث، والذي كان يتمثل في إعادة صياغة أخبار العالم التي كنا نلتقطها عبر الموجات القصيرة أو من خلال دقات مورس وإكمالها بنثر محلي. أعيش حاليا بالكاد علي معاش تقاعدي من تلك المهنة المنقرضة، وأعيش بأقل من ذلك من معاشي كمعلم لقواعد القشتالية واللاتينية، ما أتقاضاه مقابل مقال الأسبوعي ينشر أيام الآحاد ظللت أكتبه بلا توقف خلال أكثر من نصف قرن لا يكاد يساوي شيئا، ولا أتقاضي شيئا علي الإطلاق مقابل أخبار الموسيقي والمسرح التي ينشرونها لي كخدمة مجانية عندما يأتي إلي المدينة عازفون وممثلون معروفون. لم أفعل شيئا آخر مختلفا عن الكتابة، لكني لا أملك لا فضيلة ولا موهبة الروائي، أجهل بشكل كامل قواعد التشكيل الدرامي، وإن كنت قد دخلت هذه المهنة فذلك يعود إلي ثقتي في نفسي علي ضوء الكثير مما قرأته في الحياة. يمكنني القول بكل صراحة، إنني مجرد شرطي بلا تميز ولا شهرة، وليس لدي ما أقوله لو لم أكن أستعيد دائما الكثير من الوقائع التي أتذكرها عن ذكريات حبي الكبير هذا.
تذكرت يوم عيد ميلادي التسعين كما هي العادة دائما، في الخامسة صباحا. التزامي الوحيد، باعتباره يوم جمعة، كان كتابة مقالي الموقع باسمي الذي ينشر أيام الأحد في دياريو دي لا باث. علامة ظهور الفجر أكدت علي عدم الإحساس بالسعادة: عظامي تؤلمني منذ الفجر، ومؤخرتي تحرقني، وكان هناك برق يوعز بهبوب عاصفة بعد ثلاثة أشهر من الجفاف. أخذت حماما بينما كانت القهوة علي النار، تناولت فنجانا كبيرا محلي بعسل النحل مع فطيرتين من دقيق الجذور، وارتديت الرداء المملوكي المنزلي المصنوع من الكتان.
موضوع المقال في ذلك اليوم، وكما هو متوقع، كان عن سنواتي التسعين. لم أفكر في العمر أبدا علي أنه مثل ماء متساقط من السقف ينبه الواحد منا إلي حجم ما تبقي له من عمر. منذ طفولتي المبكرة سمعتهم يقولون إنه عندما يموت الإنسان فإن الحشرات التي تعيشفي الشعر تهرب متبخرة عبر المخدات مثيرة خجل العائلة. أثٌر فيٌ هذا إلي درجة إنني افتعلت الكحة حتى لا أذهب إلي المدرسة، وما تبقي لدي من قوة كنت أستخدمه في غسل رأسي بصابون مطهر. آي، أتذكر نفسي الآن، إنني منذ طفولتي المبكرة نمٌيت إحساسي بالخجل الاجتماعي الذي هو الموت.
منذ شهور كنت منتبها إلي أن مقالي في عيد ميلادي لن يكون تباكيا خادعا علي السنوات التي مضت، بل علي العكس تماما: تمجيدا للمشيب. بدأت بتوجيه سؤال إلي نفسي عن الوقت الذي انتبهت فيه إلي أنني أصبحت عجوزا، وأعتقد أنه كان قبل قليل من ذلك اليوم. عندما بلغت الثانية والأربعين ذهبت إلي الطبيب متشكيا من ألم في الظهر كان يعوق تنفسي. لم يعره الطبيب انتباها وقال لي: إنه ألم طبيعي لمن هم في مثل سنك.
قلت له أنا:
في هذه الحالة، فإنَّ غير الطبيعي هو سني.
اتسم الطبيب في وجهي بأسي. وقال لي: أري أن حضرتك فيلسوف. كانت تلك المرة الأولي التي فكرت فيها في سني علي أساس الشيخوخة، لكن سرعان ما نسيت هذا. اعتدت علي الاستيقاظ كل يوم بألمي مختلف متغير في المكان والشكل بمرور السنوات. يبدو أحيانا كما لو كان إبحارا للموت وفي اليوم التالي يختفي. سمعتهم في تلك الفترة يقولون إن أول أعراض الشيخوخة أنَّ الواحد منا يبدو شبيها لأبيه. يبدو أنه محكوم عليٌ بالشباب الأبدي، فكرت حينها: لأن شكلي الخيولي لن يكون أبدا شبيها للكاريبي القح الذي كان عليه أبي، ولا الشكل الروماني الإمبراطوري لأمي. الحقيقة أن أول علامات التغيير كانت بطيئة إلي درجة لا تكاد تلاحظ، خاصة إذا كان الواحد ينظر إلي نفسه من الداخل كما كان يفعل دائما، لكن الآخرين ينبهونه من الخارج.
في العقد الخامس بدأت في تخيل نفسي عجوزا عندما بدأت ألاحظ أولي علامات النسيان. في يوم من الأيام فتشت البيت بحثا عن نظارتي إلي أن اكتشفت أنني أرتديها، أو أدخل بها إلي الدش، أو أضع نظارة القراءة دون أن أنزع نظارة الرؤية البعيدة. في يوم من الأيام تناولت إفطاري مرتين لأنني نسيت المرة الأولي، وتعلمت التعرف علي انزعاج أصدقائي عندما لا يتجرءون علي تنبيهي إلي أنني أحكي لهم الحكاية نفسها التي حكيتها لهم الأسبوع السابق. إلي ذلك الوقت كانت لدي قائمة لتذكر الوجوه المعروفة وأخري لأسماء كل منهم، لكن لحظة توجيه التحية لم أفلح في مطابقة الوجوه مع الأسماء.
عمري الجنسي لم يزعجني أبدا: لأن قدراتي لم تكن ترتبط بي بل بهن، وهن يعرفن كيف ولماذا ومتى يردن. أضحك اليوم من الأولاد الذين في الثمانين من عمرهم عندما يستشيرون الطبيب خوفا من هذه المفاجآت، دون أن يعرفوا أنهم في التسعين سيكونون أسوأ، لكن هذه الأشياء لا أهمية لها: إنها مخاطر البقاء علي قيد الحياة. بالمقابل، يعتبر انتصارا للحياة أن تفقد ذاكرة الكبار الأشياء التي لا قيمة لها، لكنها في مرات شاذة تخطئ في تذكر الأشياء التي تهمنا حقيقة. عبٌر عن ذلك ثيسرون في جملة واحدة:
لم يوجد بعد العجوز الذي ينسي أين خبأ كنزه.
بهذه الطريقة في التفكير، وطرق أخري مختلفة، كنت قد أنهيت الكتابة الأولي للمقال عندما انفجرت شمس أغسطس من بين أشجار اللوز في الحديقة العامة، ودخول سفينة البريد النهرية إلي الميناء، التي وصلت متأخرة أسبوعا كاملا بسبب الجفاف. فكرت: إلي هناك وصلت سنواتي التسعين. لن أعرف أبدا لماذا، ولن أحاول معرفة ذلك. لكنها كانت تعويذة لتلك الاستغاثة الجارفة التي جعلتني أقرر الاتصال تليفونياٌ بروسا كاباركاس لتساعدني علي تشريف عيد ميلادي بليلة متحررة. كنت قد أمضيت سنوات طويلة مع جسدي في هدوء مقدس، أقضي وقتي في القراءة غير المنتظمة لكتبي الكلاسيكية وبرامجي الخاصة عن الموسيقي الراقية، لكن الرغبة في ذلك اليوم كانت ضاغطة كما لو كانت وحيا من الله. بعد تلك المكالمة لم أستطع مواصلة الكتابة. وضعت السرير المعلق في ركن من المكتبة حيث لا تصل إليه شمس الصباح، وانطرحت وصدري يئن تحت ضغط قلق الانتظار.
أغرب علاقة في حياتي كانت تلك التي استمرت طوال سنوات مع الوفية دميانة. كانت طفلة تقريبا، هادئة وقوية وبدائية، كلماتها قليلة وقاطعة، كانت تتحرك حافية القدمين حتى لا تقلقني بينما كنت أكتب. أتذكر إنني كنت أقرأ الرمح الأندلسي في السرير المعلق بالممر، وشاهدتها صدفة منحنية علي حوض الغسيل بفستان قصير جداٌ إلي درجة أن خلفيتها المتماسكة كانت عارية. تحت وطأة حمي لا تقاوم رفعتها من الخلف، أنزلت سروالها حتى ركبتيها ودخلت فيها من الخلف. قالت هي، بتشكي حزين: آي، سيدي. لم تفعل هذا بسبب الدخول بل بسبب الخروج. ارتعاش عميق هز الجسد، لكنها ظلت متماسكة. ذليلا بسبب إهانتي لها أردت أن أدفع لها ضعف ما يدفع لأغلي امرأة وقتها، لكنها لم تقبل ولا حتى ثمن واحد، فضاعفت لها ما يوازي حساب شهر كامل، علي أن يكون ذلك دائما خلال غسلها الملابس ومن الخلف.
فكرت أحيانا أن حسابات السرير تلك يمكن أن تكون كافية للحفاظ علي علاقة بائسة خلال حياتي الضائعة، ونزل عليٌ العنوان من السماء: ذكريات عن عاهراتي التعيسات. حياتي العامة، بالمقابل، لم يكن فيها ما يثير الاهتمام: يتيم الأب والأم، أعزب بلا مستقبل، صحافي متوسط الموهبة وقفت أربع مرات علي أعتاب الحصول علي جائزة احتفالات ألعاب الزهور لمدينة كارتاخينا دي اندياس، وأنا المفضل لدي رسامي الكاريكاتير بسبب وفائي المثالي. أي: حياة ضائعة بدأتها بشكل سيئ منذ الأمسية التي أخذتني فيها أمي من يدي حين كنت في الثامنة عشرة من عمري لتري إن كان يمكن أن أنشر في الدياريو دي لا باث مقالا عن الحياة المدرسية كنت كتبته في درس اللغة القشتالية والبلاغة. نشر يوم الأحد مع مقدمة لرئيس التحرير تأمل في الاستمرار. بعد مرور سنوات، عرفت أن أمي دفعت ثمن نشره ونشر المقالات السبع التالية، وبعدها لم يعد هناك مجال للتراجع، فقد بدأت مقالاتي الأسبوعية تشق طريقها بأجنحتها الخاصة، إضافة إلي أنني أصبحت من مزودي الأخبار وناقدا موسيقيٌا.
منذ أن حصلت علي شهادة البكالوريا بدرجة ممتازة بدأت في تدريس القشتالية واللاتينية في ثلاث مدارس حكومية في وقت واحد. كنت معلما سيئا، بلا إعداد، ولا موهبة، ومعدوم الرحمة مع أولئك الصغار المساكين الذين كانوا يذهبون إلي المدرسة كأسهل طريقة للهروب من تسلط آبائهم. الشيء الوحيد الذي أمكنني فعله من أجلهم هو الحفاظ عليهم تحت سيطرة رعب مسطرتي الخشبية حتى تبقي فيهم علي الأقل القصيدة الشعرية القريبة إلي قلبي: هذا، فابيو، آي من الألم، ستري الآن، حقولا من الوحدة، وربوة حزينة، كانوا زمنا ما إيطالية شهيرة. فقط عندما تقدم بي السن عرفت صدفة بالكنية السيئة التي علقها التلاميذ علي ظهري: أستاذ الربوة الحزينة.
هذا هو كل ما قدمته لي الحياة ولم أفعل شيئا لكي أحصل منها علي أكثر من ذلك. كنت أتناول طعام الغداء وحيدا في وقت الراحة ما بين درس وآخر، وفي السادسة مساء أصل إلي إدارة تحرير الصحيفة لأصطاد موجات الفضاء الفلكي. في الحادية عشرة ليلا، عندما يتم إغلاق الطبعة، بعدها أبدأ حياتي الحقيقية. كنت أنام في الحي الصيني مرتين أو ثلاث أسبوعيٌا، ومع رفقة مختلفة، وتم تتويجي مرتين كأفضل زبون خلال السنة. بعد العشاء في مقهى روما القريب أختار أي بيت سري صدفة وأدخل متخفيا من باب الفناء الخلفي. كنت أفعل هذا متلذذا، لكن تلك العادة انتهت إلي أن أصبحتْ جزءا من مهنتي بفضل تسيب ألسنة بعض الزبائن الكبار من السياسيين، الذين يحكون أسرار الدولة لعشيقاتهم الليليات، دون أن يفكروا في أن الرأي العام يسمعهم من خلال الحوائط الكرتونية. من خلال هذه الطريقة، ولم لا، اكتشفت أيضا أن عزوبتي الأبدية تعود إلي اللواطة الليلية التي تروي عطشها مع الأطفال اليتامى في شارع الكريمن (الجريمة). كان حظي جيدا في أنني نسيتها، من بين الأسباب الكثيرة أنني عرفت الأشياء الطيبة التي يقولونها عني، وقدرت قيمة هذا.
لم يكن لي أبدا أصدقاء حميمين، والقلة التي اقتربتْ مني هم الآن في نيويورك. أي: موتي، لأنه المكان الذي أعتقد أن الأرواح الحزينة تذهب إليه حتى لا تبتلع حقيقة حياتها الماضية. منذ تقاعدي لم يعد لي سوي القليل لعمله، بخلاف أني أذهب بأوراقي إلي الصحيفة مساء كل يوم جمعة، أو أعمال أخري قليلة الأهمية: حفلات موسيقية في مسرح الفنون الجميلة، ومعارض رسم في المركز الفني، الذي أنا أحد أعضائه المؤسسين، وبعض الندوات في جمعية التحسين العام، أو في احتفال كبير مثل موسم فابريا بمسرح أبولو. كنت أذهب في شبابي إلي صالون السينما المفتوح، حيث كان يفاجئنا إما خسوف القمر أو التهاب رئوي مزدوج بسبب الأمطار الثلجية. لكن لم تكن تجذبني الأفلام في حد ذاتها أكثر مما كان يجذبني الاهتمام بفتيات الليل اللاتي كن يضاجعن بما يوازي ضعف ثمن التذكرة، أو مجانا، أو علي الحساب. لم تكن السينما هوايتي. وكان العبودية لشيرلي تيمبل النقطة التي طفحت في كأسي.
رحلاتي الوحيدة كانت أربع إلي احتفالات ألعاب الزهور في كارتاخينا دي لاس اندياس، قبل أن أكمل الثلاثين، وليلة سيئة في لنش بموتور، بدعوة من ساكرامنتو مونتييل لحضور افتتاح بيتها السري في سانتا مارتا. أما عن حياتي المنزلية، فأنا قليل الأكل وأحب كل ما يقدمونه إليٌ. عندما أصابت دميانة الشيخوخة لم تعد تطبخ في البيت، فكانت وجبتي المعتادة الوحيدة منذ ذلك الوقت هي عجة البطاطا التي أتناولها في مقهى روما بعد إغلاق الصحيفة.
وهكذا في اليوم السابق علي اكتمال أعوامي التسعين بقيت بلا غداء ولم أستطع التركيز في القراءة انتظارا لأنباء روسا كاباركاس. كانت الأجراس تقرع حتى الانفجار في حرارة الساعة الثانية، ودوران الشمس عبر النوافذ المفتوحة أجبرني علي تغيير مكان سريري المعلق ثلاث مرات. اعتقدت دائما خلال أيام عامي التسعين أنني كنت في أكثر الأعوام حرارة، وتعلمت تحملها، لكن الحالة النفسية في ذلك اليوم لم تمكٌني من ذلك. في الرابعة حاولت أن أهدئ نفسي بالسوناتات الستة للتشيلو لخوان سباستيان باخ، في طبعتها الأخيرة للسيد بابلو كاسالس. أعتبرها أنا أفضل عمل في كل الموسيقي، ولكن بدلا من تهدئتي فقد تركتني في حالة أسوأ من السابق. فقد أصابني النعاس مع الثانية، التي أعتقد أنها بطيئة بعض الشيء، وخلال النوم اختلط عليٌ أنين التشيللو بأنين سفينة حزينة قد غادرت. أيقظني التليفون في تلك اللحظة تقريبا، وأعاد لي الصوت الصدئ ل روسا كاباركاس الحياة. قالت لي: حظك من السماء. لقد عثرت لك علي بطة أفضل من التي كنت تريدها، لكن فيها عيب: لا تكاد تبلغ أربعة عشر عاما. قلت لها دون أن أفهم ما ترمي إليه: لا يهمني أن أغير القماطات. قالت هي: ليس بسببك، لكن من سيدفع لي مقابل سنوات السجن الثلاث؟.
لا أحد سيدفعهم، ولا هي بالطبع: فهي تكسب من بين الصغيرات اللاتي في سوق حانوتها، اللاتي تفتتحهن وتعتصرهن حتى يمضين حياتهن كأسوأ عاهرات متخرجات من الماخور التاريخي ل نيجرا إيوفيما. ولم تدفع في حياتها غرامة واحدة، لأن فناءها كان منتدى لرجال السلطة المحلية، من أول المحافظ وحتى آخر موظف في البلدية، ولم يكن متخيلا أن صاحبة الماخور تنقصها القدرة علي ارتكاب الجرائم علي هواها. لذلك فإن ادعاءها الشرف في آخر لحظة يعود إلي رغبتها في الحصول علي أعلي أجر مقابل خدماتها: ثمن أكبر عندما تكون الخدمة أكثر تعريضا للعقاب. تم حل الخلاف بزيادة ثمن الخدمات اثنين بيزو، واتفقنا علي أنني في العاشرة ليلا أكون أنا في بيتها بخمسة بيزوات نقدا ومقدما. ولا دقيقة قبل ذلك: لأن الصبية يجب عليها إطعام وإنامة أشقائها الصغار وكذلك أمها الكسيحة بسبب الروماتيزم.
بقيتْ أربع ساعات. كلما مرت، كان القلب يمتلئ برغوة حارقة كانت تمنعني من التنفس. بذلت جهدا عقيما لتمضية الوقت في ارتداء الملابس. في الحقيقة لم يكن هناك جديد في هذا، وحتى دميانة تقول إنني أرتدي ملابسي بشكل طقوسي تشبه طقوس الأسقف. جرحت بشفرة الحلاقة، وانتظرت حتى تبرد حرارة ماء الدش الساخنة بتعامد الشمس علي المواسير، وكان مجرد بذل الجهد لتنشيف جسدي بالفوطة يجعلني أعرق من جديد. ارتديت ملابسي استعدادا للمغامرة الليلية: الحلة الكتانية البيضاء، والقميص المخطط بالأزرق والياقة المنشاة، ورباط العنق الحريري الصيني، وأزرار الأكمام البيضاء الزنكية، والساعة الذهبية بسلسلتها المربوطة في عروة الجاكت. وأخيرا ثنيت أرجل البنطلون إلي الداخل حتى لا يلاحظ أحد إنني قد نحفت قليلا.
أنا مشهور بأنني بخيل لأنه لا أحد يستطيع أن يتخيل أنني فقير جدٌا لأني أعيش في المكان الذي أعيش فيه، والحقيقة إن ليلة مثل تلك أكبر من أن تتحملها قدراتي. أخرجت بيزوين من صندوق التوفير الذي أحتفظ به تحت السرير لإيجار الغرفة، وأربعة لصاحبة الغرفة، وثلاثة للصبية وخمسة كاحتياط لعشائي ومصروفات نثرية أخري. أي، الأربعة عشر بيزو التي تدفعها لي الصحيفة مقابل شهر من المقالات الأسبوعية. خبأتها جميعا في جيب سري بالحزام وتعطرت ببخاخة ماء الكولونيا ماركة فلوريدا دي لانمان وكيمب­باركلي وكامبني. شعرت حينها بموجة من الرعب، وعند الدقة الأولي للساعة الثامنة هبطت السلم المظلم ببطء، والعرق يتصبب مني خوفا، وخرجت إلي الليلة الرائعة قبل ليلة احتفالاتي.
هبطتْ درجة الحرارة. كانت مجموعات من الرجال في ممر كولومبوس تتدافع في نقاش بأصوات مرتفعة عن كرة القدم. بين سيارات الأجرة الواقفة في منتصف الشارع بشكل متعامد علي الرصيف. كانت هناك مجموعة موسيقية تعزف فالسا تحت ممر الأشجار المزهرة. وإحدى العاهرات الفقيرات التي تصطاد الزبائن من منتصف شارع الموثقين طلبت مني سيجارة كالعادة، أجبتها بالطريقة نفسها التي كنت أجيبها بها دائما: توقفت عن التدخين منذ ثلاثة وثلاثين عاما، وشهرين، وسبعة عشر يوما. عند مروري أمام الألامبري دي أورور نظرت إلي نفسي في الفاترينات المضاءة ولم أراني كما كنت أشعر، بل أكثر كبرا في السن وأسوأ هنداما.
قبل العاشرة أوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يوصلني إلي المقبرة العالمية حتى لا يعرف إلي أين أنا ذاهب حقيقة. نظر إليٌ عبر المرآة بمرح وقال لي: لا ترعبني، يا سيدي الحكيم، أرجو من الله أن يحفظني بحيوية مثل حضرتك. هبطنا سوياٌ أمام المقابر لأنه لم يكن يملك عملة صغيرة واضطررنا إلي البحث عن فكة في المقبرة، كانتين فقير حيث يبكي السكارى فيه أمواتهم فجرا. عندما صفينا حساباتنا قالي لي السائق بجدية: احترس، يا سيد، لأن بيت روسا كاباركاس لم يعد كما كان من قبل. لم أملك سوي أن أشكره، مقتنعا مثل كل الناس أنه لم يعد هناك سر تحت هذه السماء يخفي علي سائقي سيارات الأجرة في ممر كولومبوس.
توغلت في حي فقراء لا علاقة له بذلك الحي الذي عرفته قبل زمن. كانت الشوارع نفسها الواسعة برمالها الحارقة، ببيوتها المفتوحة الأبواب، وجدران من الخشب غير المدهون، وأسقف من الجريد العفص وأفنية من الحصى. لكن أهلها فقدوا هدوءهم. في أكثر البيوت كانت هناك جوقات موسيقية ترن طبولها في الأحشاء. وأي شخص يمكنه الدخول بخمسين سنتا إلي الحفل الذي يحبه أكثر، ولكن أيضا يمكنه أن يواصل الرقص مجانا. كنت أسير متمنيا أن تبتلعني الأرض بداخل ملابسي الفليبينية، لكن لا أحد أمعن نظره فيٌ، عدا خلاسي هزيل كان ينعس جالسا في باب أحد البيوت.
هتف فيٌ بكل قلبه:
في رعاية الله، يا دكتور، مضاجعة سعيدة!.
ماذا كان يمكنني أفعل سوي تقديم الشكر له؟!.. توقفت ثلاث مرات لالتقط أنفاسي قبل الوصول إلي آخر مرتفع. رأيت من هناك القمر النحاسي الكبير الذي يرتفع في الأفق، وجريان بطن مفاجئ جعلني أخشي علي نفسي، لكنه مر سريعا. في نهاية الشارع، حيث يتحول إلي غابة من الأشجار المثمرة، دخلت حانوت روسا كاباركاس.
لم تكن تبدو كما كانت في السابق، لقد كانت الأم القديسة الأكثر احتراسا ولهذا السبب الأكثر شهرة. امرأة ضخمة الحجم كنا نود أن نتوجها كعريف لشرطة المطافئ، بسبب حجم جسدها وأيضا بسبب قدرتها علي إطفاء قناديل الكنيسة. لكن الوحدة قلصت من حجم جسدها، وجعٌدت بشرتها، وحدٌت من صوتها إلي درجة أنها كانت تبدو كطفلة عجوز. لم يبق لها من السابق سوي الأسنان المتقنة، إحداها مغطاة بطبقة من الذهب علي سبيل الدلال. كانت محافظة علي الحداد علي زوج مات بعد خمسين عاما من الحياة المشتركة، وزادت عليه بشيء أقرب إلي غطاء الرأس الأسود حدادا علي موت ابنها الوحيد الذي ساعدها في تجارتها. لم يعد حياٌ فيها سوي عينيها المسطحتين والقاسيتين، ومن خلالهما انتبهت إلي أنه لم يتغير فيها شيء، ولا حتى فطرتها.
بالحانوت لمبة شاحبة معلقة في العمق ولا يكاد يوجد شيء للبيع في الدواليب، ولا حتى ليبدو غطاء لحرفة شهيرة يعرفها كل الناس، ولكن لا يعترف بها أحد. عندما دخلت علي أطراف أصابعي كانت روسا كاباركاس تلبي طلبات أحد الزبائن. لا أعرف إنْ كانت لم تتعرف عليٌ أم أنها تصنٌعت للحفاظ علي شكل التعامل. جلست في كرسي الانتظار حتى تنتهي من عملها وخلال ذلك حاولت استعادة المكان كما كان في الذاكرة. كنت قد جئت أكثر من مرتين عندما كنا أنا وهي لا نزال في شبابنا، أنقذتني هي من رعبي. أعتقد أنها قرأت تفكيري: لأنها استدارت نحوي ورمقتني بشكل مزعج. تنهدتْ بحزن: أنت لا يمر بك الزمن. أردت أنا أن أجاملها: وأنتِ كذلك، ولكنكِ تغيرت إلي الأفضل. قالت هي: هل هذا صحيح؟، إلي درجة أن وجهك الخيولي عاد إليك مجددا، ولكن بوجه حصان ميت. قلت لها بمكر: ربما هذا لأنني غيرت نوعية المطعم. تحمست هي: إن لم تخني الذاكرة كانت لديك عصا بحرية، قالت لي. كيف حالك؟، تهربت من الإجابة: الشيء الوحيد المختلف منذ أن فقدنا الاتصال أنه في بعض الأحيان تحرقني مؤخرتي. جاء توصيفها علي الفور: لعدم الاستخدام. قلت لها: أنا استخدمها إلا في ما صنعها الله من أجله، لكن الحقيقة أن مؤخرتي كانت تحرقني منذ فترة، ودائما عندما يكون القمر مكتملا. بحثت روسا في درجها المليء بالعجائب وكشفت عن علبة صغيرة بها مرهم أخضر تفوح منه رائحة ليمونية للعطاس: قل للصبية أن تدهن لك قليلا بإصبعها هكذا، محركة سبابتها بطريقة لولبية. أجبتها بسرعة إنه بفضل الله أنني لا زلت قادرا علي التعامل مع نفسي دون مساعدة من أحد. سخرت هي: آي، يا معلم، اغفر لي حياتي. ثم واصلت عملها.
كانت الصبية في الغرفة منذ العاشرة، قالت لي: كانت جميلة، ونظيفة وتربيتها حسنة، لكنها كانت مرعوبة: لأن صديقة لها هربت من سفينة جايرا ماتت نازفة خلال ساعتين. لكن حسنا، تراجعت روسا، هذا أمر طبيعي لأن أهل جايرا لهم شهرتهم في الفحولة. وعادت إلي حديثها: مسكينة، إضافة إلي هذا عليها أن تعمل في تركيب الأزرار في أحد مصانع القمصان. لم أعتقد أنه عمل صعب جداٌ. هذا ما يعتقده الناس، أجابت هي، إنه عمل أصعب من تكسير الحجارة. إضافة إلي هذا اعترفت لي أنها أعطت الصبية مشروبا مخدرا وهي الآن نائمة. خشيت أن يكون هذا من فنونها لرفع الأجر، لكن لا، قالت هي: كلمتي من ذهب. بقواعد ثابتة: كل شيء مدفوع بشكل منفرد، وبنقود نظيفة ومقدما. وهكذا كان.
تبعتها عبر الفناء، مستثارا بذبول بشرتها، وبطريقتها السيئة في السير بساقيها المتورمتين داخل جواربها القطنية البدائية. كان القمر المكتمل يصل إلي منتصف السماء، ويمكن رؤية الدنيا كما لو كانت غارقة في مياه خضراء. بالقرب من الحانوت كان هناك سقف من السعف يطل علي شرفات الإدارة العامة، وحولها مقاعد خشبية جلدية وأسرٌة معلقة في الأركان. في الفناء الخلفي، حيث تبدأ غابة الأشجار المثمرة، كانت هناك صالة تطل علي ست غرف من الطوب غير المبلط، بنوافذ متصلة. الحجرة الوحيدة المسكونة كانت نصف مضاءة، وتونيا لانيرا كانت تغني في الراديو أغنية عن قصص الحب الرديئة، تنفست روسا كاباركاس: الأغنية هي الحياة. كنت متفقا معها في رأيها، لكني لم أجرؤ حتى اليوم علي كتابتها. دفعت هي الباب، دخَلَت للحظات وعادت للخروج مرة أخري. قالت: لا تزال نائمة. من الأفضل أن تتركها تستريح الوقت الذي يتطلبه منها الجسد، ليلك أطول من ليلها. كنت كالأعمى: ماذا تعتقدين عليٌ أن أفعل؟، أنت خبير، قالت هي بلذة غير معتادة في مثل هذه المواقف، أنت خبير لسبب ما. استدارت نصف دورة وتركتني وحيدا في مواجهة الرعب.
لم يكن هناك من مهرب. دخلت الغرفة وقلبي مرتبك، ورأيت الصبية نائمة، كانت عارية وضعيفة في السرير الضخم المؤجر، كانت كما ولدتها أمها. مضجعة علي جانبها، وجهها باتجاه الباب، مضاء بالنور القادم من العمق بقوة كاشفا عن كل تفاصيل جسدها. جلست أتأملها من علي حافة السرير بانجذاب حواسي الخمس. كانت خمرية وفاترة. لقد أخضوعها لعملية تنظيف وتجميل لم تترك شيئا ولا حتى شعر عانتها. ضفٌروا شعرها، وكان في أظافر يديها وقدميها لمعانا طبيعيا، لكن الجلد الذي يشبه العسل الأسود كان خشنا ومنهكا. النهدان حديثا النبت كانا يبدوان كنهدي طفل تضغط عليهما قوة سرية علي وشك الانفجار. أفضل ما في جسدها كانت قدماها الكبيرتين ذات الخطوات الخفيفة والأصابع الطويلة والحساسة كما لو كانت ليدين. كانت غارقة في عرقها الفسفوري رغم المروحة، والحر يزداد كلما تقدم الليل. من المستحيل تخيل كيف كان شكل الوجه المدهون، وطبقة بودرة الأرز الثقيلة ببقعتين ملونتين علي الخدين، والرموش الاصطناعية، والحواجب والجفون تبدو كالمحترقة بسبب الدخان الأسود، وتم تكبير حجم الشفاه بورنيش الشكولاته. لكن لا الخرق ولا قصة الشعر تمكنت من إخفاء شكلها: الأنف المترفع، والحواجب المتصلة، والشفاه الثقيلة. فكرت: عجل صغير مولود للمصارعة.
في الحادية عشرة بدأت أنا حركتي الروتينية في الحمٌام، حيث كانت ملابسها الفقيرة مطوية علي كرسي بدقة الأغنياء: فستان ملون بفراشات مطبوعة، وسروال أصفر وصندل. علي الملابس كانت هناك أسورة رخيصة وسلسلة رقيقة بصورة للعذراء. وعلي حافة الحوض حقيبة يد بها قلم شفاه، وعلبة ألوان تجميل، ومفتاح وبعض القطع النقدية الصغيرة. كله رخيص جدٌا، ومستهلك بسبب الاستخدام لدرجة لا يمكنني تخيل أن هناك أفقر منها.
خلعت ملابسي وعلقتها علي الشماعات علي أفضل طريقة يمكنني القيام بها حتى لا أكرمش حرير القميص وكي البدلة الكتانية. تبولت جالسا، وكما علمتني فلورينا دي ديوس منذ طفولتي حتى لا أبلل جوانب القاعدة، ولا أزال، بلا تواضع، كنت أتبول بطريقة مباشرة وحادة كحصان صغير. قبل أن أخرج نظرت إلي مرآة حوض غسيل اليدين. الحصان الذي نظر إليٌ من الجانب الآخر من المرآة لم يكن ميتا بل حزينا، وعليه مسحة بابوية من البابا، الجفون متورمة والعرف هزيل وقد كان في السابق قصة موسيقي. قلت له:
قذارة، ماذا أفعل إذا لم تكن تحبني؟.
في محاولتي عدم إيقاظها جلست في السرير عاريا وقد اعتادت عيني علي خداع الضوء الأحمر، وفحصتها شبرا شبرا. مررت طرف إصبعي علي عمودها الفقري الغارق في العرق فارتعدت من داخلها كوتر في آلة هارب، استدارت نحوي بهمهمة واحتضنتني في رائحة أنفاسها الحادة. ضغطت علي أنفها بإصبعي الكبير والسبابة، فانتفضت، أبعدت رأسها وأدارت لي ظهرها دون أن ترمش. حاولت إبعاد ساقيها عن بعضهما بركبتي في محاولة غير متوقعة. غنيت لها في أذنيها: سير ديلادينا محاطة بالملائكة. استرخت قليلا. صعدت في عروقي موجة حارة، وحيواني البطيء المتقاعد استيقظ من نوم طويل.
ديلادينا، يا روحي، رجوتها متشوقا. ديلادينا. أطلقت حمحمة محزنة، وهربت من بين فخذي، وأدارت لي ظهرها واستدارت حول نفسها كحيوان بحري في قوقعته. يبدو أن الشراب المخدر كان قويٌا بالنسبة لي كما كان قويٌا بالنسبة لها: لأنه لم يحدث شيء، لا لها ولا لأحد. لكن هذا لم يهمني. سألتني نفسي عن فائدة إيقاظها، شعرت بالذل والحزن، وببرد كوخزة.
دقٌت حينها الثانية عشرة، دقات واضحة، وبدأ فجر يوم 29 أغسطس، يوم استشهاد القديس يوحنا المعمدان. كان هناك من يبكي بصوت صارخ في الشارع ولا أحد يستجيب. صليت من أجله، لو كان في حاجة إلي هذه الصلاة، وصليت من أجلي أيضا، كشكر علي ما حصلت عليه من فضائل: لا ينخدع أحد، لا، في انتظار الاستمرار أكثر ما انتظر وظل أكثر ما رأي. حمحمت الصبية في الحلم، فصليت أيضا من أجلها: أن يمر كل شيء بأفضل ما يمكن. بعدها أطفأت الراديو والنور لأنام.
استيقظت فجرا دون أن أتذكر أين كنت. كانت الصبية لا تزال نائمة وظهرها لي في وضع جنيني. كان لدي إحساس بأنني شعرت بها قد استيقظت في الظلام وذهبت إلي الحمٌام، وإنني سمعت صوت تفريغ سيفون الحمٌام، لكن ربما كان حلما. كان شيئا جديدا لي. كنت أجهل براعة الإغواء، واخترت دائما عشيقات الليل حسب الثمن وليس حسب ما تملك من إغراء، وكنا نمارس الحب بلا حب، نصف عرايا في أكثر الأحيان، وفي الظلام دائما، حتى نتخيل بعضنا بشكل أفضل. في تلك الليلة اكتشفت لذة تأمل جسد امرأة نائمة بعيدا عن ضغوط الرغبة أو عوائق الخجل.
استيقظت في الخامسة، قلقا لأن مقالي الأسبوعي ليوم الأحد كان يجب أن يكون علي طاولة التحرير قبل الثانية عشرة. قمت بالتحلل اليومي ببعض الحرقان للقمر المكتمل، وعندما سحبت سلسلة السيفون شعرت أن كراهيتي الماضية ذهبت مع الماء. عندما عدت إلي غرفة النوم نشطا ومرتديا ملابسي، كانت الصبية تنام علي ظهرها تحت نور الفجر الهادئ، كانت ممددة علي السرير من أقصاه إلي أقصاه، والذراعان مفتوحين كصليب ومليكة مطلقة لعذريتها. يحرسك الله، قلت لها. كل النقود التي بقيت، نقودي ونقودها، وضعتها علي المخدة، وودعتها إلي الأبد بقبلة علي جبهتها. البيت، مثل كل البيوت السرية في الفجر، كانت أقرب إلي الفردوس. خرجت من باب الحديقة حتى لا ألتقي بأحد. تحت شمس الشارع الحارقة بدأت أشعر بثقل أعوامي التسعين، وأعدٌد دقيقة بدقيقة دقائق الليالي التي لا تزال باقية علي موتي


‼️‼️–  –‼️‼️

أكتب هذه الذكريات بين القليل الذي تبقي من المكتبة التي كان يملكها والدي، التي تكاد أرففها تتساقط بسبب عمل العثة الصبور. علي أي حال، فإن ما تبقي لي في هذا العالم يكفيني: قواميسي التي تشمل جميع الأنواع، من المجموعات الأولي لالوقائع الوطنية للسيد بنيتو بيريث جالدوس، والجبل السحري الذي علمني كيف أفهم أحوال أمي المصطنعة.
علي عكس الأثاث الآخر، وأنا نفسي، فإن المكتب الذي أكتب عليه يبدو أفضل حالا كلما مر الوقت، لأن جدي لأمي صنعه من خشب البلوط، فقد كان يعمل نجار سفن. وحتى إذا لم يكن لدي ما أكتبه، فإنني أعده كل صباح بالحرص الكبير نفسه الذي تسبب في ضياع العديد من فرص الحب. أجد عند أطراف أصابعي الكتب المحببة إليٌ: أجزاء أول قاموس مزين بالرسوم للأكاديمية الملكية، الصادر عام 1903، وكنوز اللغة القشتالية أو الإسبانية للسيد سباستيان كوفاروبياس، والقواعد للسيد انريس بيلو، يفيدني هذا الكتاب عندما تكون لدي شكوك حول أي معني، طبقا للحرص المطلوب، فإن هناك القاموس الأيدلوجي لخوليو كاساريس، خاصة مقابلاته ومترادفاته، ومفردات اللغة الإيطالية لنيكولاس زيناريلي: حتى أنمي لدي لغة أمي، التي تعلمتها منذ المهد، والقاموس اللاتيني، لأنها تلك اللغة الأم للغتين الأخريين اللتين أعتبرهما لغتي الطبيعيتين.
علي يسار المكتب أحرص دائما علي وجود خمس مجموعات من الورق المجمعة بالخيط لكي أمارس عليها مهنتي في كتابة مقال أيام الأحد، وقرن تراب الخطابات الذي أفضله علي نشافات الورق الحديثة. وعلي اليمين هناك القلم بغطائه الذهبي، فلا زلت أكتب الخط الرومانتيكي الذي علمتني إياه فلورينا دي ديوس حتى لا أكتب الخط الرسمي لزوجها، الذي كان يعمل موثقٌا عاما ومحاسبا رسميٌا حتى آخر لحظة من حياته. فرضوا علينا منذ فترة في الصحيفة الكتابة بالآلة الطابعة حتى يمكن حساب عدد الكلمات بشكل أفضل، لكني لم أستطع التطبع مع هذا الوضع، فواصلت الكتابة بيدي ثم أعيد كتابته من جديد علي الآلة الطابعة بضربات شبيهة بنقر الدجاجة، وذلك بفضل امتيازي كواحد من أقدم العاملين. أما اليوم، فأنا متقاعد ولكن لست مهزوما، أتمتع بالامتياز المقدس بالكتابة في البيت، وسماعة التليفون مرفوعة حتى لا يقاطعني أحد، وبدون الرقيب الذي يتابع كتابتي من فوق كتفي.
أعيش بلا كلاب ولا عصافير ولا خدم، عدا الوفية دميانة التي كثيرا ما أنقذتني في لحظات حرجة، ولا تزال تأتي مرة في الأسبوع لعمل ما يمكن عمله، برغم حالتها التي هي عليها، نظرها ضعيف وقليلة الحيلة. رجتني أمي وهي في سرير موتها أن أتزوج في شبابي المبكر من امرأة بيضاء، وأن ننجب علي الأقل ثلاثة أبناء، من بينهم طفلة تحمل اسمها، الذي كان اسم أمها وجدٌتها من قبل. كنت حريصا علي تلبية رجائها، لكن كانت لدي فكرة مطاطة عن الشباب فلم أر أبدا أن الوقت قد فات. إلي أن حدث في منتصف نهار حار أن أخطأت أحد الأبواب في بيت آل بالوماريس دي كاسترو في برادومور، وفاجأت خيمينا اورتيث الابنة الصغرى عارية، كانت تنام القيلولة في الغرفة المجاورة. مضطجعة وظهرها للباب، واستدارت لتنظر إليٌ من فوق كتفها بحركة سريعة لم تترك لي مجالا للهرب. آي، معذرة، تمكنت من القول وروحي في حلقي. ابتسمت هي، واستدارت نحوي بجسد غزالة، واستعرضت أمامي جسدها كاملا. كانت اللحظة كلها معبقة بحميميتها. لم تكن عارية تماما، بل كانت تضع في أذنها زهرة سامة ذات بتلات برتقالية، مثل لوحة أولمبيا لمانيه، وكانت ترتدي خاتما من الذهب في كفها اليمني وعقدا من اللؤلؤ الصغير الحجم. لم أتخيل مطلقا أنه يمكنني أن أري شيئا مشوشا ينزع الحياة، أستطيع اليوم أن أؤكد أنني كنت علي حق.
أغلقت أنا الباب بضربة واحدة، خجلا من بلادتي، مع إصرار علي نسيان الأمر. لكن خيمينا اورتيث منعتني من تنفيذ قراري. أرسلت لي رسائل مع أصدقاء مشتركين، وبطاقات مثيرة، وتهديدات مرعبة، فيما انتشرت الشائعات بأننا نجن بحب كل منا للآخر دون أن نتبادل كلمة واحدة. كان من المستحيل مقاومة ذلك. عيناها عينا قطة برية، وجسدها مثير سواء بالملابس أم بغيرها، وشعرها ذهبي كثيف تفوح منه رائحة أنثوية تجعلني أبكي علي المخدة. كنت أعرف أنه لا يمكن أن يكون حبٌا، لكن الإغراء الشيطاني الذي كانت تمارسه عليٌ كان قوياٌ إلي درجة أنني كنت أخففه بأية عاهرة ذات عيون خضراء ألاقيها في طريقي. لكني لم أستطع مطلقا أن أطفئ نيران ذكري رؤيتها في سرير بيت برادومار، وأخيرا استسلمت لها، بالتقدم لطلب يدها رسميٌا، وتبادلنا الخواتم وقمنا بالإعلان عن عرس كبير قبل حلول عيد الأسبوع المقدس.
انتشر الخبر بشكل أكبر في الحي الصيني أكثر من انتشاره في النادي الاجتماعي. قوبل أولا بالسخرية، لكن تلك السخرية تحولت إلي معارضة من جانب سيدات الحظ اللاتي كن يرين أن الزواج مسألة غبية أكثر منه ارتباط مقدس. اكتمل عرسي بكل الطقوس الأخلاقية المسيحية في شرفة الأوركيدات الأمازونية والأشجار المعلقة في بيت أهل خطيبتي. كنت أحضر في السابعة مساء، مرتديا حلة من الكتان الأبيض، وبأي هدية من الخرز المصنوع يدويٌا أو الشيكولاتة السويسرية، وكنا نتبادل الحديث حتى العاشرة، في حراسة العمة أرخينديا، التي كانت تنام عند أول ارتخاء للجفن كقوادات روايات تلك الفترة.
كلما تعارفنا أكثر علي بعضنا كانت خيمينا تزداد شراهة، كانت تخلع صديراتها وفساتينها التي كانت تضيق بها كلما اقترب حر يونيو، وكان من السهل تخيل قدرتها المدمرة التي كانت تتملكها في الظل. بعد شهرين من الخطوبة لم يعد لدينا ما نتحدث عنه، وبدأت هي تتحدث في موضوع الأولاد دون أن تقوله بصراحة، كانت تنسج أحذية صغيرة من الصوف الطبيعي لأطفال حديثي الولادة. أنا، الخطيب المهذب، تعلمت النسج معها، وهكذا أمضينا الساعات الضائعة التي سبقت موعد العرس، أنا أنسج أحذية زرقاء للأولاد وهي تنسج الوردية للبنات، ونتراهن علي من يصدق حدسه، حتى زاد العدد عن الخمسين من الأبناء. وقبل أن تحل الساعة العاشرة كنت أصعد عربة تجرها الخيول وأذهب إلي الحي الصيني لأعيش ليلتي في سلام الله.
حفلات وداع العزوبية التي كانوا يقيمونها لي في الحي الصيني كانت تسير في عكس سهرات النادي الاجتماعي الكئيبة. إنه تناقض أفادني في معرفة أي من العالمين في الواقع هو عالمي، وحلمت بأن أعيش العالمين معا ولكن لكل عالم أوقاته، فمن كل عالم كنت أري الآخر يبتعد كزفير صفارات السفن المفترقة في أعالي البحار. وحفلة الرقص السابقة علي أعياد الأسبوع المقدس تم خلالها الإعلان عن حفل نهائي ما كان يخطر علي بال أحد سوي قس جيليقي  تسيطر عليه الشهوة، فقد أمر كل الفتيات بارتداء الخمار والزهور، حتى يتزوجن بي في حفل علني مقدس. كانت ليلة كبري من انتهاك قدسية الحب ووعدت اثنتان وعشرين منهن بالوفاء بالحب والخضوع وأجبتهن بالوفاء المقابل حتى ما بعد موتي.
لم أستطع النوم بسبب ما كان علامة علي شيء لا بد منه. فقد بدأت منذ الفجر في عدٌ مرور الساعات من خلال دقات ساعة الكاتدرائية، إلي أن جاءت دقات الساعة السابعة المرعبة التي كان يجب أن أكون فيها في الكنيسة. بدأ جرس التليفون يدق في الثامنة، طويلا ولحوحا، وبلا توقف، طوال أكثر من ساعة. لم أمتنع فقط عن الرد: بل لم أتنفس. وقبل العاشرة بقليل دقوا علي الباب، أولا بالقبضات، وبعدها بصرخات أصوات معروفة وبغيضة. خشيت أن يحطموه لسبب خطير، لكن مع حلول الحادية عشرة خيٌم علي البيت صمت لا يحدث إلا بعد الكوارث الكبرى. حينها بكيت من أجلها ومن أجلي، وصليت من كل قلبي ضارعا ألا ألتقي بها أبدا خلال ما تبقي لي من أيام. يبدو أن قديسا استمع إلي نصف تضرعي: فقد ذهبت خيمينا من البلاد في الليلة نفسها ولم تعد إلا بعد عشرين عاما من ذلك اليوم، متزوجة ولديها سبعة أبناء كانوا يمكن أن يكونوا أبنائي.
بذلت جهدا كبيرا للحفاظ علي مكانتي ومقالي في صحيفة الدياريو دي لا باث بعد تلك الإهانة الاجتماعية. لكن لم يكن هذا سببا في نقل مقالي إلي الصفحة الحادية عشرة، بل سببه الاندفاع الأعمى الذي دخل به القرن العشرين. فقد أصبح التقدم أسطورة المدينة. تغير كل شيء، الطائرات طارت وألقي رجل بكيس الخطابات من طائرة جونكر واخترع البريد الجوي.
الشيء الوحيد الذي بقي علي حاله هو مقالاتي في الصحيفة. وهاجمتها الأجيال الجديدة، كمن يهاجم مومياء من الماضي يجب تدميرها، لكني حافظت عليها بنفس لهجتها، دون تنازل، وضد رياح التغيير. لم أستمع لأي شيء، فقد كنت قد أكملت الأربعين، ولكن المحررين الشبان كانوا يطلقون عليٌ مقال اللقيط. استدعاني مدير التحرير وقتها إلي مكتبه ليطلب مني أن أغيٌر اللهجة حسب التيارات الجديدة. فقال لي بهدوء كما لو كان التقدم قد اخترعوه في التو واللحظة: العالم يتقدم. قلت له: نعم، يتقدم، لكنه يظل يدور حول الشمس. إلا أنه حافظ علي مقالي الأسبوعي لأنه لم يجد من يصغ الأخبار. واليوم أعرف أنني كنت علي حق، ولماذا كنت علي حق. المراهقون من جيلي تحت وطأة شراهتهم بالحياة نسوا الحلم بالمستقبل، إلي أن علٌمهم الواقع أن المستقبل لم يكن كما حلموا به، فاكتشفوا الحنين. وهناك كانت مقالات الأحد، كأثر معماري بين أنقاض الماضي، فانتبهوا إلي أنها لم تكن موجهة فقط لكبار السن بل موجهة للشباب الذين لم يخافوا من الشيخوخة. وحينها عاد المقال إلي صفحة الافتتاحيات، وفي بعض الأوقات الخاصة كان ينشر مقالي في الصفحة الأولي.
من يسألني أجيبه دائما بالحقيقة: العاهرات لم يتركن لي وقتا لكي أكون متزوجا. مع ذلك، يجب أن أعترف أنه لم تكن لدي هذه الإجابة حتى اليوم الذي أكملت فيه عامي التسعين، عندما خرجت من بيت روسا كاباركاس بالإصرار علي ألا أصنع قدري أبدا بعد الآن. كنت أشعر أنني آخر. اختل عقلي برؤيتي للناس متكئة علي الحواجز الحديدية المحيطة بالحديقة العامة. التقيت دميانة كانت تنظف الأرضية، منحنية في الصالة، وشباب سمانتيها في عمرها هذا أيقظ رعشة من زمن مضي. أعتقد أنها شعرت بذلك لأنها غطت نفسها بالفستان. لم أستطع قمع الرغبة في سؤالها: قولي لي شيئا، دميانة أي شيء تتذكرين؟. قالت: لم أكن أتذكر أي شيء، لكن سؤالك يذكرني بشيء. شعرت أنا بضغط في الصدر. قلت لها: لم أعشق أبدا. ردت عليٌ علي الفور: أنا، نعم عشقت. أنهت الحديث دون أن تتوقف عن عملها بقولها: بكيت طوال اثنين وعشرين عاما من أجلك. قفز قلبي. بحثا عن مخرج كريم، قلت لها: كان يمكننا أن نكون زوجين طيبين. قالت هي: من السيئ أن تقول لي ذلك الآن، لأنني لا لم أعد أصلح لك الآن. عندما خرجت من البيت، قالت لي بطريقة أكثر طبيعية: حضرتك لن تصدقني، أنا لا أزال عذراء، شكرا لله.
بعدها بقليل اكتشفت أنها تركت ورودا حمراء في كل البيت، وبطاقة علي المخدة: أرجو أن تصل إلي المية . بهذا الطعم الرديء جلست لإكمال المقال الذي كنت قد تركته ناقصا في اليوم السابق. أنهيته في نفسي واحد في أقل من ساعتين واستطعت أن ألوي عنقه ليعبر عن حالتي الداخلية دون أن تبدو عليٌ مظاهر البكاء. لكن بضربة إلهام متأخرة قررت إنهاءه بالإعلان عن أنني بهذا المقال أنهي بسعادة حياة طويلة وكريمة دون أن أرتكب سوءة موتي.
هدفي كان أن أترك المقال في بوابة الصحيفة والعودة إلي البيت. لكني لم أتمكن من ذلك. كان العاملون بكاملهم ينتظرونني ليحتفلوا بعيد ميلادي. كان المبني تحت الترميم، والسقالات والحطام الباردة في كل مكان، لكنهم أوقفوا العمل بسبب الحفل. علي مائدة نجار كانت المشروبات معدة لتناول النخب والهدايا ملفوفة في ورق ملون. ذاهلا من أضواء فلاشات الكاميرات استحوذت علي كل الصور التذكارية.
سعدت لوجود كل محرري الإذاعة والصحف الأخرى بالمدينة: لا برنسا الصباحية المحافظة، والهيرالدو الصباحية الليبرالية، والناسيونال المسائية الفضائحية التي تحاول تخفيف توتر النظام العام بحكايات عاطفية. لم يكن غريبا أن يتجمعوا معا، لأنه داخل روح المدينة كان مقبولا أن تستمر علاقات الصداقة بين جميع العاملين بينما المارشالات يمارسون الحروب بالافتتاحيات.
وأيضا كان هناك الرقيب السيد خيرونيمو اورتيجا، خارج ساعات عمله، الذي كنا نطلق عليه رجل التاسعة البغيض: لأنه كان يصل في تلك الساعة من الليل بقلمه الدموي ذي السن الحاد. يظل هناك إلي أن يتأكد من أنه لم يكن هناك حرف واحد لم يوافق عليه في طبعة الصباح. كانت لديه كراهية خاصة تجاهي، سببه كبريائي كلغوي، أو لأنني أستخدم كلمات إيطالية بلا تنصيص أو تمييز عندما أري أنها أكثر تعبيرا من القشتالية، كما يجب أن يكون الاستخدام المعروف بين اللغات المشتقة من أصل واحد. بعد معاناة استمرت أربع سنوات، انتهينا إلي قبوله كما لو كان سوء نيتنا نحن أنفسنا.
حملت السكرتيرات إلي الصالون طبق حلوي بتسعين شمعة مشتعلة واجهت خلالها سنوات حياتي لأول مرة. ابتلعت دموعي عندما غنوا لي أغنية النخب، وتذكرت الصبية بلا أي سبب. لم يكن ضربا من الكراهية بل تفهما متأخرا للإنسانة التي كنت أنتظر أن أتذكرها مرة أخري. بعد انتهاء الاحتفال وضع أحدهم في يدي سكينا لأقطع الحلوى. خوفا من السخرية لم يجرؤ أحد علي إلقاء كلمة. أنا كنت أفضل الموت علي الرد عليه. ولإنهاء الحفل، مدير التحرير الذي لم أكنٌ له أي حب، أعادنا إلي الواقع المرير. قال لي: والآن نعم، أيها التسعيني الشهير، أين مقالك؟.
الحقيقة أنني كنت أشعر به يحرق جيبي بنار مشتعلة طوال المساء، لكن الانفعال الذي تعمق فيٌ حتى لا أفسد الحفل لم يترك لي مجالا للإعلان عن رفضي. قلت: هذه المرة لن يكون هناك مقال. امتعض مدير التحرير لخطأ ما كان مقبولا من القرن السابق. وحتى نفهم الحال تماما، قلت له، لقد مررت بليلة صعبة إلي درجة أنني استيقظت مخدرا من التعب. قال هو بحسه الساخر المرير: إذن كان عليك أن تكتبه. القراء يحبون معرفة الحياة عند بلوغ التسعين من شخص يعيشها. فردٌت إحدى السكرتيرات. قالت: ربما كان سرٌا لذيذا، ونظرتْ إليٌ بدلال: أليس كذلك؟، موجة ساخنة ضربتني علي وجهي. اللعنة، فكرت، يا له من خائن هذا الخجل. سكرتيرة أخري، متألقة، أشارت نحوي بإصبعها. يا للروعة! لا تزال لديه رجولة ليخجل. أشعل تدخلها فيٌ خجلا علي خجل. ربما كانت ليلة من التهجم، قالت السكرتيرة الأولي: أنا أحسدك!، وقبلتني قبلة ظلت مرسومة علي خدي. تسابق المصورون. مختنقا، سلمت المقال لمدير التحرير، وقلت له إن ما قلته من قبل كان علي سبيل المزاح، تفضل، وهربت مصعوقا بآخر دفعة من التصفيق، كي لا أكون حاضرا عندما يكتشفون أنها استقالتي بعد نصف قرن من الإبحار.
استمر تشوقي طوال تلك الليلة عندما نزعت في البيت الورق الذي يلتف علي الهدايا. عمال التوضيب لم ينجحوا في اختيار هديتهم بتقديمهم صانعة القوة الكهربائية تماما مثل الثلاث التي قدموها لي في أعياد ميلادي السابقة. ومصففو الأحرف قدموا لي تفويضا لاستلام قط من حظيرة البلدية. والإدارة قدمت لي أرباحا رمزية. والسكرتيرات أهدينني ملابس داخلية من الحرير مطبوع عليها آثار قبلات، وبطاقة يعرضن عليٌ فيها نزعها عني. وخيل لي أن أحد امتيازات الشيخوخة هي الإثارة التي تسمح للصديقات من الفتيات أن يعتقدن أننا خارج العمل.
لم أعرف مطلقا من الذي أرسل لي أسطوانة مسجل عليها أربع وعشرين مقطوعة لشوبان بقيادة ستيفان إسكيناس. والمحررون في معظمهم أهدوني كتبا عن الموضة. لم أكد أفتح جميع الهدايا حتى اتصلت بي روسا كاباركاس تليفونيٌا لتسألني السؤال الذي لم أكن أود سماعه: ماذا حدث لك مع الصبية؟، قلت لها دون تفكير: لا شيء. فقالت روسا كاباركاس: هل تعتقد أنه لا شيء إذا كنت حتى لم توقظها؟، إن المرأة لا تغفر أبدا للرجل الذي يحتقرها يوم دخولها. أنا بررت الأمر بأن الصبية لم تكن متعبة فقط من عملها في تركيب الأزرار، وربما كانت تتصنع النوم خوفا من المرور بهذه الخطوة المؤلمة. قالت روسا: الأخطر أنها تعتقد حقيقة أنك لا تصلح، ولا أحب أن تنشر هذا في أركان الأرض الأربعة.
لم أمنحها الفرصة لتفاجئني. رغم أن الأمر كان كذلك، قلت لها إن حالتها كانت سيئة إلي درجة ما كان يمكن التعامل معها لا نائمة ولا مستيقظة: إنها كلحم المستشفيات. خفضت روسا كاباركاس من لهجتها: الذنب ذنب التسرع الذي انهينا به الاتفاق، لكن يمكن علاج ذلك، وستري. وَعَدَتْ بأن تستجوب الصبية، ولو كان الأمر هكذا ستجبرها علي إعادة المال. ما رأيك؟. قلت لها: دعي الأمر علي حاله. لم يحدث أي شيء، والعكس فقد كانت تجربة أكدت لي أنني لم أعد أصلح لأي شيء. في هذا الاتجاه فالصبية لديها كل الحق: فأنا لم أعد أصلح. وضعت سماعة التليفون، مفعما بإحساس تحرر لم أعرفه في حياتي من قبل، وأخيرا تمكنت من الهرب من قلق سيطر عليٌ منذ أن كنت في الثالثة عشرة.
في السابعة ليلا كنت ضيف الشرف في كونشيرتو جاك تابولت والفريد كورتوت في صالة الفنون الجميلة، بعزف رائع لسوناتة الكمان والبيانو التي أداها ثيسار فرانك، وما بين الفصلين استمعت إلي الإعجاب المباشر. المايسترو بدرو بيافا، مايسترو موسيقي عظيم، أخذني عنوة إلي غرف الموسيقيين ليقدمني إلي العازفين. وابهرني إلي درجة أنني حييتهم علي عزفهم لسوناتة شومان التي عزفوها، وصحح لي أحدهم الاسم بطريقة مخجلة. والخطأ الذي ارتكبته في الخلط بين السوناتتين كشف جهلي، وازداد الأمر خطرا عندما حاولت شرح الأمر في مقال الأحد التالي الذي تناولت فيه الحفل الموسيقي بالنقد.
شعرت لأول مرة في حياتي الطويلة بأنني قادر علي قتل أحد. عدت إلي البيت مهموما بالشيطان الصغير الذي ينفخ في الأذنين بالإجابات المدمرة التي لم نرد بها في وقتها، فلا القراءات ولا الموسيقي خففا من غضبي. لحسن الحظ أن روسا كاباركاس أخرجتني من الهذيان بصرخة في التليفون: أنا سعيدة بالصحيفة، لأنني لم أعتقد أنك أكملت التسعين بل مائة. أجبتها بحدة: لهذا أنا ضائع كما ترين؟ قالت هي: علي العكس، إن ما فاجأني كان رؤيتك في صحة ممتازة. إنه لأمر طيب أنك لست من كبار السن غير الناضجين الذين يزيدون من أعمارهم حتى يعتقد الآخرون أنهم في حالة جيدة. ثم غيرت من لهجتها: أحتفظ لك بهديتك. فاجأتني حقيقة فقلت: ما هي؟. قالت هي: الصبية.
لم أدع لنفسي لحظة واحدة للتفكير. قلت لها: شكرا، لكن تلك حكاية من الماضي. لم تحاول التعليق: سأرسلها إلي بيتك ملفوفة في ورق صيني ومغسولة بالصندل علي البخار، كله مجانا. تمسكت برأيي، فيما دخلت هي في شرح صعب جعلني أصدق جديتها. قالت إن الصبية كانت في حالة سيئة جدٌا في ذلك اليوم الجمعة لأنها كانت قد حاكت مائتي زرار بالإبرة والكشتبان. وأن خوفها من الاغتصاب الدموي كان حقيقياٌ، لكنها الآن معدة للتقديم علي المذبح. وإنها في ليلتها معي استيقظت لتذهب إلي الحمٌام وإنني كنت حينها أغط في نوم عميق جدٌا، وقد شعرتْ بالشفقة عليٌ فلم توقظني، وعندما استيقظتْ في الصباح من جديد كنت قد ذهبت. شعرت بالإهانةة مما بدا لي كذبا لا طائل من ورائه. حسنا، واصلت روسا كاباركاس: وإنه رغم ذلك، فالصبية نادمة. المسكينة، تقف الآن أمامي. هل تريد أن تتحدث معها؟. قلت لها: لا، بحق الله.
كنت قد بدأت الكتابة عندما اتصلت سكرتيرة الصحيفة. الرسالة كانت أن المدير يريد أن يراني في اليوم التالي في الحادية عشرة صباحا. وصلت في الموعد تماما. ضجيج ترميم المبني لم يكن يبدو محتملا، كان الهواء مزعجا بضربات الفؤوس، وغبار الأسمنت ودخان القطران، لكن العاملين في التحرير كانوا قد تعلموا التفكير في رتابة الفوضى. مكاتب المدير، كانت علي العكس، باردة وهادئة، كانت تبدو في بلد مثالي غير بلدنا.
ماركو توليو الثالث، بملامحه المراهقة، عندما رآني أدخل نهض واقفا علي قدميه، دون أن يقطع حوارا تليفونيٌا، مد لي يده ليصافحني من أعلي المكتب وأشار إليٌ بالجلوس. ذهبت في تفكيري إلي أنه لم يكن هناك أحد علي الجانب الآخر من الخط، وأنه يقوم بهذه الحركة الهزلية ليقنعني بأهميته، لكنني اكتشفت فجأة أنه كان يتحدث مع المحافظ، وكان حقيقة حوارا صعبا بين عدوين محكوم عليهما بالتفاهم. إضافة إلي، أنني أعتقد أنه حاول أن يبدو حازما أمامي، رغم أنه في الوقت نفسه ظل واقفا علي قدميه بينما كان يتحدث مع السلطة.
يبدو عليه اهتمامه بهندامه. أكمل التاسعة والعشرين قبل قليل ويتحدث أربع لغات وحصل علي ثلاث شهادات عليا دولية، بعكس أول مدير تحرير قضي حياته كلها في منصبه، جده لأبيه، الذي مارس الصحافة بعد أن كوَّن ثروة من التجارة في الرقيق الأبيض. كانت له طبائع صعبة، كان يحاول دائما أن يبدو هادئا وجاداٌ، والشيء الوحيد الذي كان يكشف حقيقته تلك الرنة المزيفة في صوته. يرتدي جاكت رياضياٌ بزهرة أوركيد في العروة، وكل ما يفعله كان يبدو كشخص طبيعي، لكن لا شئ يبدو عليه أنه قابل للحياة في الشارع بل في ربيع مكاتبه. أنا، الذي أمضيت ما يقرب من الساعتين في ارتداء ملابسي، شعرت بعار الفقر مما زاد من حدة غضبي.
مع كل هذا، فإن السم القاتل كان في صورة بانورامية لمجموع العاملين التقطتْ في الاحتفال السنوي الخامس والعشرين لإنشاء الصحيفة، ومرسوما عليها علامة الصليب علي كل من مات منهم. أنا كنت الثالث إلي اليمين، مرتديا قبعة عامل محجر، وبربطة عنق بعقدة كبيرة بلؤلؤة في المشبك، وأول شارب يشبه شوارب كولونيل مدني أطلقته عندما كنت في الأربعين، ونظارات معدنية تشبه نظارات طلاب السلك الكنسي والتي لم أعد في حاجة إليها بعد نصف قرن. كنت قد شاهدت هذه الصورة معلقة لسنوات طويلة في مكاتب مختلفة، لكن في تلك اللحظة فقط كنت حساسا لما تعنيه: من بين الثمانية والأربعين من العاملين الأصليين لم يبق منا أحياء سوي أربعة، وأصغرنا يكمل عقوبة من عشرين عاما سجنا لارتكابه جريمة قتل ذهب ضحيتها عدة أشخاص.
أنهي المدير مكالمته، وفاجأني ناظرا إلي الصورة وابتسم. وقال: الصلبان لم أضعها أنا، وأعتقد أنها تنم عن حس سيئ. جلس إلي المكتب وغير من لهجته: اسمح لي أن أقول إن حضرتك الإنسان الأكثر قدرة علي تقديم المفاجآت. وأمام دهشتي، أعلن مسبقا: أقول هذا بسبب الاستقالة. لم أكد أقول: إنها حياة طويلة. رد هو انه لهذا السبب تماما إنها لم تكن الحل المقبول. لقد رأي أن المقال ممتاز، وكل ما قلته عن الشيخوخة كان أفضل ما قرأه في حياته علي الإطلاق، ولذلك ما كان يجب إنهاؤه بقرار يبدو وكأنه موت مدني. قال: لحسن الحظ، إن رجل التاسعة البغيض، قرأه عندما كان مطبوعا في صفحة الافتتاحيات، ورأي أنه مقال غير مقبول. ودون أن يستشير أحد شطبه من أعلي إلي أسفل بقلمه التفتيشي. وعندما علمت هذا الصباح أمرت بإرسال خطاب احتجاج إلي المحافظة. لقد كان هذا واجبي، ولكن فيما بيننا، أستطيع أن أقول لحضرتك أني أدين بالشكر لتسلط الرقيب. لأنني لم أكن مستعدٌا لقبول رفض المقال. لذلك أرجوك بكل روحي… لا تغادر السفينة في أعالي البحار. وأنهي حديثة بطريقة رائعة: لدينا الكثير لنقوله عن الموسيقي.
رأيت أنه مصٌر علي موقفه، إلي درجة أنني تجرأت علي زيادة حدة الخلاف بسبب مسلٌي. المشكلة، في الحقيقة، أنني لحظتها لم أجد سببا مقبولا لأترك الساقية، وأرعبتني فكرة الموافقة مرة أخري لمجرد كسب الوقت. اضطررت إلي الضغط علي نفسي حتى لا تبدو عليٌ علامات الانفعال التي تكاد تدفعني إلي البكاء. ومرة أخري، كما هو الحال دائما، اتفقنا علي بقاء الحال علي ما هو عليه بعد سنوات طويلة.
الأسبوع التالي، محبوسا في حالة ناتجة عن التشوش أكثر منها عن الفرح، مررت علي حظيرة البلدية لاستلام القط الذي أهداني إياه عمال الطباعة. علاقتي بالحيوانات سيئة جداٌ، نفس سبب علاقتي مع الأطفال قبل أن يبدءوا في تعلم الكلام. أعتقد أن أرواحهم خرساء، وليست أسماعهم، لكني لا أستطيع احتمالهم لأنني لم أتعلم التعامل معهم. أعتقد أنه ليس من الطبيعي أن يتفاهم الإنسان مع كلب أكثر من تفاهمه مع زوجته، وأن يعلمه الأكل والتخلي عن طعامه في ساعات محددة، أن يجيب عن الأسئلة ويشاركه في آلامه. لكن عدم استلام قط الطباعين كان يمكن أن يكون كارثة، بالإضافة إلي أنه كان قطاٌ جميلا، شعره وردي ولامع وعيناه مضيئتان، ومواؤه يكاد يقارب الكلام. وضعوه لي في سلة من القصب مع شهادة بأصله وكتيب لشرح كيفية التعامل معه، تماما كما لو كان دراجة هوائية.
دورية عسكرية كانت تتأكد من هويات المارة قبل تركهم يعبرون حديقة سان نيكولاس العامة. لم أشهد شيئا مماثلا، ولا أن أتخيل شيئا قاتلا مثل علامات شيخوختي. كانت دورية مكونة من أربعة، تحت إمرة ضابط مراهق تقريبا. أعضاء الدورية من أهل الصحراء، صعبي المراس وصامتين وتفوح منهم رائحة كريهة. كان الضابط يراقبهم جميعا بوجنتين محترقتين بفعل التعرض للشمس علي الشواطئ الأندينية. بعد تفحص هويتي وبطاقتي الصحافية سألني عن ما أحمل في السلة. قلت له: قِط. أراد أن يراه. رفعت غطاء السلة بكل الحرص حتى لا يهرب، لكن أحد رجال الدورية أراد أن يري إن كان هناك شيء آخر في داخل السلة، فخربشه القط. تدخل الضابط. قال: إنه نوع رائع. داعبه بينما كان يهمهم بشيء، ولم يهاجمه القط ولا حتى اهتم به. سأل: كم عمره؟، قلت له: لا أعرف. لقد أهدوني إياه علي التو. قال: أسأل حضرتك لأنه يبدو عجوزا، عشر سنوات ربما. أردت أن أسأله كيف عرف ذلك، وأسأله أيضا عن أشياء أخري، لكن طريقته اللطيفة في التعامل وحديثه الطلق لم يجعلاني أشعر بالارتياح للحديث معه. قال: أعتقد أنه قِط مهجور مرٌ بأوضاع سيئة كثيرة. عليك بمراقبته، فهو غير مرتاح لحضرتك لكن حضرتك مرتاح له، اتركه، حتى يكتسب ثقتك. أغلق الضابط السلة، وسألني: ماذا تعمل حضرتك؟. أنا صحافي. منذ متى؟. قلت له: منذ قرن من الزمان. قال هو: لا أشك في ذلك. صافحني وودعني بجملة يمكن أن تعني نصيحة كما تعني تهديدا:
احترس كثيرا.
فصلت خط التليفون عند منتصف النهار لأبقي منفردا مع الموسيقي في برنامج لذيذ: رابسودية الكلارنيت وأوركسترا فاجنر، بساكسفون ديبوسي والخماسية الوترية لبروكنر، التي تعتبر فردوسا ساكنا في أعماله. وفجأة وجدت نفسي ملتفٌا في ضباب المكتب. شعرت بشيء ينزلق تحت طاولتي لم يكن يبدو جسدا حيٌا بل حضورا غير طبيعي يلمس قدمي، فقفزت صارخا. لقد كان القط بذيله الجميل المنتفش، وبطئه الغريب وأصالته الأسطورية، ولم أتمكن من التغلب علي الارتعاش خوفا من البقاء وحيدا في البيت مع كائن حي إن لم يكن بشريٌا.
عندما أعلنتْ ساعة الكاتدرائية السابعة، كانت هناك نجمة وحيدة ولامعة في السماء الوردية، وأطلقتْ سفينة صافرة وداع حزينة، وشعرت باختناق كبير في الحلق لقصص الحب التي كان يمكن أن تحدث ولم تحدث. لم أحتمل أكثر من هذا. رفعت سماعة التليفون وقلبي يكاد يقفز من حلقي، ضربت الأرقام الأربعة الأولي ببطء شديد حتى لا أخطئ، وعند دقة الجرس الثالثة تعرفت علي الصوت. قلت لها بزفرة ارتياح: حسن يا امرأة، اغفري لي سخطي هذا الصباح. قالت هي بهدوء: لا عليك، كنت في انتظار مكالمتك. حذرتها: أريد أن تنتظرني الصبية كما جاء بها الله إلي الدنيا وبدون ورنيش علي وجهها. أطلقت ضحكتها الرنانة. وقالت: لك ما تريد، لكنك ستفقد لذة تعريتها قطعة قطعة، كما يحب كبار السن، لا أعرف لماذا يعشقون هذا. قلت لها: أنا أعرف لماذا، لأنهم يشعرون بأنهم أكبر سنا. وافقت علي كلامي.
قالت:
حسن، إذن الليلة في العاشرة تماما، قبل أن يبرد الصيد.

قصة حب وشجاعه ووفاء خلدت بماء الذهب على صفحة التاريخ بطيب ذكرهم وافعالهم

بسم الله الرحمن الرحيم





دائما مانسمع بالفارس والشاعر شالح بن هدلان ! !

من هو شالح بن هدلان ؟
وما هذا الصيت الشائع في نـجـد وماحولها !؟

لنستعرض هويته ونبدأ باسم الله






الاسم :. شالح بن حطاب بن هدلان بن قاشان بن قريان
بن دراج بن حسن بن خنفر آل محمد .. الجحادر
القبيله :. قحطان
تاريخ الوفاه :. سنة 1340هـ 1341هـ
وقد عمر طويلا إلى أن قارب عمره 100سنة
المكان : نجد قرب ضرما.




&& && && &&


الجزء الأول
( شالح ) وأخاه ( الفديع )
قـصـة حـب ووفاء وشجاعة



نشأ شالح بين قبيلة الخنافرة , وكان له أخ شقيق يسمى ( الفديع )
أصغر منه بكثير, وكان الفديع وفياً لأخيه شالح , وكان فارس شجاع
وكان مغامر بفروسيته إلى أبعد الحدود وكان متفانياً في خدمت أخيه شالح
وعندما كبر الفديع وكملت رجولته تحمل مشاق الحياة عن أخيه شالح
وأصبح هو حامي القبيلة , وكانت الإبل لاتذهب إلى المرعى إلا وهو معها
مدججاً بسلاحه , وعلى صهوة جواده , وكان حصناً حصيناً لها
ولإبل قبيلته , ولا يخطر ببال أي عدو أن يغير عليهم من هيبة ( الفديع ).


وذات يوم ومع بزوغ الشمس وأخاه شالح جالس حول ناره
يحتسي القهوة فالتفت إلى الإبل وهي في مباركها قرب البيت
رآها تعتب في عقلها ولم ير ( الفديع )
فنادى شالح : الإبل تعتب في عقلها و ( الفديع ) غايب عنها أين هو ؟ ؟



فقيل له: إنه في المحرم عند النساء يغسلن رأسه ويرجلنه داخل البيت
فقام غاضباً إلى أخي وقال : الإبل حائرة في مباركها ولم تذهب إلى المرعى
وأنت عند النساء يغسلن رأسك ثم أخذ من التراب ووضعه على رأس أخيه
فقام الأخ البار خجلاً من أخيه وأخذ يمسح التراب عن رأسه
وهو يردد ــ العفو يا أخي العفو يا أخي ــ ثم طلب من زوجة أخيه أن تسرج
جواده وتحضر سلاحه وذهب للإبل مسرعاً


أما شالح فقد رجع إلى قهوته وجلس حولها وعندما أطلق ( الفديع )
عقل الإبل ذهب إلى أخيه يمشي بحذر وبخفة متناهيه من حيث لايشعر به
فقبل رأسه وقبل مابين عينيه وقال في أمان الله يا أخي وركب جواده وتبع إبله


وعند غروب الشمس عاد ( الفديع ) مع إبله ثم أقبل إلى مكان أخيه في مجلسه
عند القهوة وأخذ يصب لأخيه القهوة ويقص عليه أخبار يومه الفائت
ويداعبه بالنكات المضحكة ويحاول أن يثبت لإخيه انه لايحمل في نفسه
عليه شيء وأنه لم يغضب من حثو أخيه التراب على رأسه وكل همه رضا أخوه عليه .


وفي يوم الأيام وعندما عاد ( الفديع )بعد غروب الشمس
وسلم على أخيه وجلس عنده .
لاحظ ( الفديع ) أن أخاه شالح كثير التفكير , ومشدود البال ! !
سأله قائلا : مابك ياأخي هذه الليلة , ماتشكو من الألم ؟
فقال له شالح : يا أخي ما بي شيء غير أنني أفكر فيك ! !
فقد ساءني ما أنت فيه من تعب وكد
فقد أتعبتك يا أخي وأولادي ما زالو صغار
كنت أتمنى أنهم كبار ليخدموك ويخدموني
فأنت من شروق الشمس إلى الغروب
وأنت على صهوة جوادك , وقائماً بخدمتي .
فقال ( الفديع ) :أنا سعيد يا أخي بأن أقوم بخدمتك
وكل ما أتمناه أن تكون راضياً علي
وأن لا يحصل مني أي شيء يكون سبب في إزعاجك ,وأنشد يقول :

يابو ذعار أكفيك لونـي لحالـي **
واصبر على الدنيا وباقي تعبهـا

وإن غم أخوه معثريـن العيالـي **
أنا لخويه سعد عينـه وعجبهـا

وإن جن مثلي مخزمات الجمالي **
كم سابق تقزي وأنا من سببهـا

كم خفرة قـد حرمـت للدلالـي **
لبست سواد عقب لـذة طربهـا

وإن جيت لي قفر من النشر خالي **
يفرح بي الحواز يوم أقبل بهـا

أفديك يا شالح بحالـي ومالـي **
يا فارس الفرسان مقدم عربهـا

يا متيه إبله بـروس المفالـي **
يالي حميت حدودها يـا جنبهـا




فتأثر شالح من هذه الأبيات التي قالها أخيه الفديع فتمثل بهذه القصيده :

لا وأخوٍ لي عقب فرقـاه باضيـع **
كني بما يجري على العمـر دياري

أخوي يا ستـر البنـي المفاريـع **
ومطلق لسان اللي بأهلها تمـاري

ما قط يـوم شـد بيـن الفراريـع **
يا كود ما بين الكمـا والمشـاري

ليته عصاني مرةٍ قال مـا اطيـع **
كود اني اصبر يوم تجري المجاري

أنا اشهد انه لـي سريـع المنافيـع **
عبدٍ مليـك لـي ولانـي بشـاري

تشهد عليه منايـلات المصاريـع **
واعداه من كفه تشـوف العـزاري

يمناه تنثر مـن دماهـم قراطيـع **
وعوق العديم اللـي بدمـه يثـاري

جداع سفريـن الوجيـه المدياريـع **
مخلي سروج الخيل منهم عـواري

القلب مـا ينسـى بعيـد المناويـع **
ليثٍ على صيد المشاهير ضـاوي





وكان شالحاً قد توقع بهذه القصيدة مستقبل أخيه ( الفديع )
لأن ( الفديع ) كان مغامراً بقتاله وكان يهاجم القوم المغيرة
لوحده ويكسرها , و شالح يخشى عليه دائماً من مغامراته
وكان يحبه حباً عظيم , وكيف لا وهو باراً به وحامياً لقبيلته
وتهابه الفرسان في نجد كلها وكان أخوه يفاخر به وبشجاعته عند القبائل



وفي ذات يوم كان شالح راحلا بضاعنته
و أخوه الفارس الضرغام ( الفديع ), أرمد العينين
محمول في هودج , معصوبة عيناه وجواده تقاد مع الضعينه
فأغار على ضعينتهم كوكبة من الخيل , وتبين لهم أن هذه الخيل
هي خيل الحمده زعماء قبيلة عتيبه ,المشهورين بالشجاعة والفروسية
وقـد كانت الحروب قائمة بين عتيبة وقحطان
فأخذ شالح يدافع عن الضعين بكل بسالة وإقدام
وكان القتال بينه وبين المغيرين سجال , فمرة يهزمهم ويبعدهم
عن الضعينة , ومرة يتكاثرون عليه , ويهزمونه إلى أن يصل إلى الضعينة
ثم تتصاعد زغاريد النساء , وصيحاتهن محفزات لشالح على القوم .
فيلقى القوم بقلب من حديد إلى أن يبعدهم عن الضعينة
فطال القتال وهم على هذا المنوال وقد لاحظت والدة شالح و ( الفديع )
أن شالح قد أعياه الطراد , وهو وحيد في مواجهت القوم
فنزلت من هودجها وأسرجت جواد ( الفديع ) الأصفر وأحضرت سلاحه .
وقالت : انزل وهب لمساعدة أخيك , لأن القوم سيغلبونه.

فقال( الفديع ) : يا أماه أنا أذوب كمداً , واحترق حسرة
من حين سمعت غارة الخيل ولكن كيف أرى حتى أساعد أخي وعيناي مقفلة ومعصوبة .
فقالت أمه انا سأجعلك تبصر , وكان متلهفاً لأن يرى بعينه , فأتت أمه بماء
وغسلت عينيه وأخذت تفتحها بشدة , ويقال أنه عندما انفصل كل جفن عن الآخر
نزل الدم والصديد معاً من عينيه , فوثب كالنمر , وهو لا يبصر إلا قليلاً ولمسافة قريبة جداً .
وكانت خيل الأعداء قد كرت على أخيه آتية به إلى الضعينة
فاستقبلهم الفديع بقلب كالحديد مغامراً غير مبالي , فجندل أول فارس
ثم جندل الثاني , ثم جندل الثالث , فانكسر القوم وانهزمو .
ولكن ( الفديع ), استمر في ملاحقتهم وقتلهم , وعندما انغمس بين خيلهم
رشقوه بعدد كثير من الرماح دفاعاً عن أنفسهم لأنه قاتلهم لا محاله
وكانوا يرشقونه وهم فارين , وهو لا يبصرهم إلا كالخيال , فلم يتمكن
من المناورة وتفادي طعن الرماح , فأصابه رمح اخترق رأسه فخر قتيلاً
ولكن الأعداء استمروا بالإدبار, لأنه قد أعياهم القتال .



وعندما أقبل شالح على أخيه , وجده ميت
وقد اخترقت جسده عدد كثير من الرماح.
فكانت لحظات ألم وحسرة ونكبة كبيرة على شالح
فقد فقد السند بعد الله والعضيد الذي لا يقهر في الميدان
وتهابه الفرسان , فلم يتمالك نفسه فذرفت الدموع على وجنتيه
التي علاهما غبار المعركة , وبعد أن قبل أخاه القبلة الأخيرة
ونظر إلى ذلك الجبين المعفر بالتراب الذي طالما لامس
الأرض من خشية الله , ونظر إلى تلك العينين التي طالما
سهرتا عليه الليالي الطوال , ونظر إلى ساعديه اللذين طالما
انطلقت منها الرماح لتصافح صدور الأعداء , ذائده عنه
وعن محارمه وماله , وهكذا ديارت الأفكار في رأس
الأمير الفارس المنكوب شالح , ثم مسح التراب عن جبين أخيه
وأطبق عينيه وأمر من حوله من النساء أن يكفنوه
وكانوا في واد بنجد يسمى ( خفا ) وكان على جانب الوادي
هضبة تسمى هضبة ( خفا ) فدفن ( الفديع )على مقربة منها .

وهكذا طويت صفحة من التاريخ , سجلت مثلاً رائعاً
للشجاعة والوفاء وكيف كان بر الأخوين لبعضهما
والمعاملة التي كانت بينهما والتي هي من شيم العرب,وإحدى مفاخرهم .
وقد رثى شالح أخاه ( الفديع )بقطرات من دم قلبه في  القصيدة :

أمس الضحى عديت روس الطويلات **
وهيضت في راس الحجا ماطرالـي


وتسابقن دمـوع عينـي غزيـرات **
صفقـت بالكـف اليميـن الشمالـي


وجريت من خافي المعاليـق ونّـات **
والقلب من بيـن الصناديـق جالـي


وأخوي ياللي يم قارة ( خفا ) فـات **
من عاد من عقبـه بيستـر خمالـي


ليته كفانـي سـوّ بقعـا ولا مـات **
وانـا كفيتـه سـوّ قبـرٍن هيالـي


وليته مـع الحييـن راع الجمـالات **
وأنا فدا لـه مـن غبـون الليالـي


وأخوي يومن بعض الأخوان فـلاّت **
من خلقتـه ماقـال ذا لـك وذالـي


تبكيه هجنٍ تالـي الليـل عجـلات **
ترقب وعدها يـوم غـاب الهلالـي


وتبكي على شوفـه بنيٍ (ن) عفيفـات **
ومن عقب فقـده حرمّـن الدلالـي


عوق العديم إن جاء نهار المشارات **
والخيل من حسّـه يجيهـن أجفالـي


‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️‼️



الجزء الثاني
( شالح ) وابنه ( ذيـب )
قـصـة حـب ووفاء وشجاعة



وقد كانت المعارك بين عتيبة وقحطان كر وفر غالب ومغلوب
وضل شالح بن هدلان مابينها وهاجس الثأر في قلبه قبل أن يكون
بعقله وضل يتحين الفرص للأخذ بثأر أخيه الفديع من عتيبه وخلال
إحدى المعارك بين القبيلتين عمد أحد فرسان ال هدلان
وهومبارك بن غنيم بن هدلان للفارس عبيد ابن الأمير تركي بن حميد
فقتله فكبرت مصيبة الحمده على مقتل فارسهم عبيد
فقال أخوه ضيف الله ابن الأمير تركي من عتيبه هذه القصيدة :

ياونتي ونّة كسير الجباره ***
اليا وقف مااحتال واليا قعد ونّ


عليك ياشبّاب ضوّ المناره***
عليك ترفات الصبايا ينوحن


من مات عقب عبيد قلنا ودياره ***
لاباكيٍ عقبه ولا قايلٍ من


تبكيه صفراّ البسوها الغياره ***
وتبكيه يوم انّ السبايا يعنن


وتبكيه وضحٍ ربعّت بالزباره ***
اليا قزن من خايعٍ مايردّن


الخيل عقب عبيد مابه نماره ***
وشعاد لوّ راحن ووشعاد لوّ جنّ


ياشيخ ماتامر عليهم بغاره ***
كود الجروح اللي على القلب يبرن


يقطع صبيٍ ماينادي بثاره ***
إلى اقبلن ذولي وذوليك قفّن


ياهل الرمك كلٍ يعسف امهاره ***
والمنع مانطريه لاهم ولا حن



وبعد أن سمعها الشيخ شالح رد عليها بقصيده قال فيها :


ضيف الله اشرب ماشربنا مراره ***
واصبر وكنّك شالحٍ يوم حزّن


راح الفديع اللي علينا خساره ***
وأخذ قضاه عبيد حامي ثقلهن


يمنىّ رمت به ماتجيها الجباره ***
اللي رمت بعبيد في معتلجهن


من نسل ابوي وضاريٍ بالشطاره ***
يصيب رمحه يوم الأرماح يخطن


وعبيد خليّ طايحٍ بالمعاره ***
عليه عكفات المخالب يحومن


وعادتنا بالصيد ناخذ اخياره ***
ثلاثة الجذعان غصبٍ بلا من


ياقاطع الحسنى ترى العلم شاره ***
لابد دورات الليالي يدورن


حريبنا كنّه رقيد الخباره ***
خطرٍ عليه اليا توقّظ من الجن


ماني بقصّادٍ بليّا نماره ***
أجدع نطيحي بالسهل وان تلاقن


من حل ديار الناس حلوّ ادياره ***
لابد ماتسكن دياره ويغبن


ومن شق ستر الناس شقوّ استاره ***
ومن ضحك بالثرمان يضحك بلا سن


وإن كان ضيف الله يعسّف امهاره ***
فمهارنا من عصر نوحٍ يطيعن


تدنا لصبيانٍ سواة النماره ***
شهبٍ لماضين الفعايل يعنن



وهنا نوه شالح بن هدلان عن مقتل عبيد بن تركي بن حميد وأنه
أخذ بثار أخيه ( الفديع ) منه وكذلك أشار إلى
مقتل الثلاثة الجذعان في بيته القائل :



وعادتنا بالصيد ناخذ اخياره ***
ثلاثة الجذعان غصبٍ بلامن

وهم سلطان بن محمد بن هندي ونايف بن محمد بن هندي
وابن عم لهم وقد قتل الجميع مبارك من قحطان بثأر الفديع .


وهكذا انتهى ثأر الفديع وطويت صفحته
ونعود لنكمل قصة بطلنا الهمام شالح بن هدلان
لقد كان لشالح بن هدلان ستة أبناء وقيل ثلاثه
ولكن الأصح ما قيل بأنهم ثلاثة من أمهم بدويه
وهم ( ذعار وذيب وعبدالله ).
وكان ذيب هو هبة الله للشيخ شالح على صبره بفقدان أخيه( الفديع )
فقد برزت به صفات( الفديع ) منذ الصغر بالإضافة إلى صفات الفارس
الشجاع والكريم والشهم المقدام ومنذ نعومة أظافره فكان هو الأسطورة
التي أرادها الشيخ شالح وأرادبناءها من جديدوذات يوم اجتمع أقاربه
وهم أبناء عمه السفارين في أمر لم يدعو به شالح وعندما قرب على
الانتهاء دعوه فرفض دعوتهم لعلمه المسبق باجتماعهم وأنشدهم
هذه القصيدة يقول شالح :

أنا ليا كثرت الأشاوير ماشير ***
حلفت ماتي بارزٍ مادعاني


وأنا خويّه بالليالي المعاسير ***
وإلا الرخا كلنٍ يسد بمكاني


وشوري ليا هجّت توالي المظاهير ***
شلفاّ عليها رايب الدم قاني


شلفّا معوّدها لجدع المشاهير ***
يوم السبايا كنها الديدحاني


ماني بخبلٍ مايعرف المعايير ***
قدني على قطع الفرج مرجعاني


إن سندوّ حدرت صوب الجوافير ***
وان حدروا سندت لمرييغاني


تاخذ بخيران المريبخ مسايير ***
ومادبر المولى على العبد كاني




بـعد ذلك شد رحاله تجاه قبيلة الدواسر الذين عرفوا بشدة بأسهم
ومنعتهم وإكرامهم لضيفهم ولقد حاول رجال قبيلته ثنيه
عن ما عزم عليه لكن دون جدوى .

هي قراره وعندما وصل إلى قبيلة الدواسر
أكرموه واجزلو كرمه .



*ذكر من مواقفه مع ابنه ذيب*

وقوف بدوية أم ذيب أمام بيت الشعر تنادي أطفالها ذعر وذيب وعبدالله
تدعوهم لتناول وجبة العشاء ثم النوم ،ذعار وعبدالله بجوارها
أما ذيب فكان على مد البصر يجري على خط الشفق الأحمر ويدفع
بجسده الصغير بين طيات ظلام الليل نحو صدر رجل في منتصف
العمر يفرد يديه ويرفع الصغيرعن الأرض يخاطبه بصوت قوي
"تكبر وتعوضني عن الفديع"
كان هو الشيخ شالح

ومرت السنين وبلغ الفتى ذيب 25 سنة وهاهو يتقلب في فراش نومه
يراقب النجوم عله يجد من بينها شكل محدد للفديع بينما شالح ينظر إلى
ذات النجمة ويستعيد تفاصيل أيامه مع أخيه الأصغر الفديع الذي لو أرسل
ضده مائة فارس هزمهم من شدة بائسة وتوغل رهبته في قلوب كل
من حمل سيفا أو علق روحه في راس رمحه

واستمرت النجمة حائرة بين الصورة الموجودة في ذاكرة الأب وبين
الصورة المجودة في مخيلة الطفل الذي أصبح شاباً فتياً

يعتقد أن شقيق أبيه الفديع قادرا على لف الف فارس تحت عباءته
من كثرة تكرار قصص بطولاته على لسان جدته وأمه ووالده
وإصرار والده على امتداد العشر سنوات على إقناع الشجر والسحاب
والبشر والصخر والمطر رغم وفاته قبل سنوات من ولادة ذيب وأصبح الفديع
في ذاكرة ذيب والبادية أسطورة مختلفة صنعها أخوه شالح الذي حاول
خلال أول 14 عام من عمر ابنه ذيب أن يدفعه بكل قوته إلى سد الفراغ
الذي تركه الفديع ، وكان يهيئ ذيب لأخذ الثار من قوم غزوه وقتلوه





وفي يوم من الأيام أغارت عتيبه على الدواسر وغنموا إبلهم ولكن الدواسر
لحقو بالمغيرين وردوّا إبلهم ومعهم ابن جارهم ذيب بن شالح وقد غرز
رمحه بدم احد الغزاة وممسكا بلجام فرس ابيض أصيل تبين فيما بعد بأنـها
(( العزبــه )) سيدة خيول أهل الجزيرة العربية والتي لايساويها خيل
من الشرق إلى الغرب بعد امتلاك ذيب للعزبه أدرك شالح بان ابنه بدء
بأخذ مسار أخيه وبداء بتحقيق حلمه.




وعندما علم الإمام محمد بن سعود بن فيصل
والأمير محمد بن رشيد أمير حائل
حينها أرسل كل منهما رسله يطلبها ولكنه اعتذر
للرسل وقال لهم بصريح العبارة

إن هذه الجواد أخذها ذيب بن شالح من الأعداء وهي لا تصلح إلا لشالح

وأنشد هذه القصيدة :

يـا سابقي كثرت علوم العرب فيك ***
عـلوم الـملوك مـن أول ثم تالي


لانـيب لا بـايع ولانـي بمهديك ***
وأنا الـلي استاهل هدوا كل غالي


وانتي من الثلث المحرم ولا أعطيك ***
وانـتي بـها الـدنيا شريدة حلالي


يـاما حلى خطوى القلاعة تباريك ***
أفـرح بـها قلب الصديق الموالي


ويـاما حلى زين الندا في مواطيك ***
فـي عـثعثٍ توه من الوسم سالي


ويـاحلو شـمشولٍ من البدو يتليك ***
بـقفر بـه الجازي تربي الغزالي


الـخير كـله نـابتٍ في نواصيك ***
وادلـه لـيا راعـيت زولك قبالي


بـالضيق لـو جيه المدياريع نثنيك ***
وعـجله وريـضة خلاف التوالي


حـقك عـلي انـي من البر ابديك ***
وعـلي بدنك الجوخ احطه جلالي


ابـيه عـن بـرد الـمشاتي يدفيك ***
وبـالقيظ احـطك في نعيم الظلالي


يـانفدا الـلي حصلك من مجانيك ***
جـابك عـقاب الخيل ذيب العيالي


جابك صبي الجود من كف راعيك ***
فـي سـاعةٍ تذهل عقول الرجالي


يـاسابقي نـبي نـبعد مـشاحيك ***
والـبعد سـلم مـكرمين الـسبالي


يـم الـجنوب وديرتة ننتحي فيك ***
لـربعٍ مـن الاونـاس قفرٍ وخالي


وبعد ماقال هالقصيدة شد صوب الربع الخالي والسبب أن شالح خاف على
ولده من ابن سعود وابن رشيد ان يأخذون منه الخيل بالقوه خصوصا
أنه بعيد عن قبيلته قحطان والدواسر قبيلة كثيرة الحروب وهو سيثقل عليهم
إن دخلوا في حرب مع الأميرين جلس فتره في الربع الخالي حتى
لفى عليه شيوخ الخنافره من قحطا ن طالبين منه أن يرجع معهم ويسامحهم

وحملوا له أيضاً أن الملك عبدالعزيز أعطاه الآمان
رجع شالح وعياله للقبيلة وفي هاذي الفترة سطع نجم ذيب
وأخذت القبايل تتناقل أخبار هذا الشاب وكان ذيب يسال راعيه أي جهه
تخاف ترعى فيها فيقول من الشمال ناحيه عتيبه .
فقال ذيب خذ ابلي وابل الخنافره هناك .
وخل أحد يقربها من العتبان وإلا غيرهم.
وفي الحقيقة كان العتبان يخشون من سطوة ذيب

حتى أن الأمير محمد بن هندي بن حميد العتيبي قال لفرسانه:
انا اوصيكم ان اغرتم على ابل وسمعتوا
(خيال البلها وأنا ابن دراج)
فلا تطمعون بالإبل ترى ذي نخوة الخنافره
أهل ذيب فكروا راجعين ولا تغامرون .
وهذا دليل واضح على قوة ذيب وانتشار اسمه بين أهل نجد وغيرهم

&& && && && &&

* مــقـــتل الذيب *


قصة مقتل ذيب بن شالح ومراثي والده له رحمها الله:
كان ذيب شديد البر بوالده حتى إنه لا يرضى أن يخدم والده أحد سواه
وكان كلما انتقلوا من مكان إلى مكان حسب المرعى لأنهم كانوا في الباديه
يسبق أباه إلى المكان الذي اتفقوا على أن ينزلوا عليه ويصطاد له من الصيد
ويقوم بشويه لوالده ويستقبله به ويطعمه منه وكان في كل مرة يستقبله كأنه ما
رآه من عدة سنوات من شدة حفاوته بوالده ومرة من المرات كما جرت العادة
بحث ذيب عن صيد لأبيه ليطعمه منه ولكنه لم يجد صيدا فقام وابتعد
عن المكان الذي سوف ينزل عليه أهله وقام بنحر ذلوله واخذ من طيب لحمها
واستقبل والده وطبخ له منها وكان يصب له القهوة قبل أن يجهز اللحم
فشم والده رائحة اللحم فعرف أنه ليس بلحم صيد
فقال له: وش هذا لحمه ياذيب؟
فقال ذيب: هذا ( شبب يايبه) أي ( رزق من الله )

وهذا من لهجة قبيلة قحطان فعرف والده أنه قام بنحر ذلوله
وقال له: ذبحتها ياذيب ؟! فقال ذيب هي فداك يايبه وعوضا
من حلال القوم أجيبه لك ثم قال ذيب يايبه ما أقدر إني استقبلك
إذا ماقدمت لك شي تاكله وأقسمت على نفسي أن استمر على هذه الحال
إلى أن يتوفاني الله فتأوه والده ثلاث مرات
وقال : (( يالهفي على فراقك ياذيب ))
وهذا فراسة منه بقرب أجل ابنه .


وقال هذه القصيدة يرثيه وهو حي :

والقصيدة سجلت بصوت
حفيد الشاعر ومؤلف ديوان
الشيخ شالح بن هدلان

(خليل بن ذيب بن هدلان)

 :

ما ذكر به حيّ بـكى حي يا ذيــب **
واليوم أنا بابكيك لو كنت حـــــيا

وياذيب يبكونك هل الفطر الشّيب **
إن لايعتــهُمْ مثل خيل المـــحَـيّـا


وتبكيك قـطعان عليها الكُــوَاليب **
وشيال حمل اللي يبون الكـــــفيّا


وتبكيك وضـحٍ علقُــوهَا دِبَابيب **
إن ردّدّتْ من يمّة الخوف عـــيـّا


ويبكيك من صكّت عليه المغاليب**
إن صاح بأعلى الصوت ياهل الحميّا!


ننـزل بك الحزم المطرّف لياَ هِيْب **
إن ردّدُوهن ناقــلـين العــصـــِيّا


أنا أشهـد انك بيننا منقع الطيب **
والطيب عسرٍ مطلبه مـا تــــهيـــّا



********


لقد اشتهر ذيب ببره لوالديه ووفائه مع أصدقائه وعطفه
على جيرانه وكرمة الحاتمي وذات ليلة كان هو ووالده
في تالي الليل يتسامران وكان والده يداعبه ، ويلقي علية بعض الأشعار

فانشده هذه الأبيات:

ياذيب أنا يا أبوك حالي تردى...
وأنا عليك من المواجيب ياذيب


تكسب لي اللي لاقح عقب عدا...
طويلة النسنوس حرشا العراقيب


تجر ذيل مثل حبل المعدا...
وتبرا لحيران صغار حباحيب


واشري لك اللي ركضها ماتقدا...
ماحد لقى فيها عيوب وعذاريب


قبا على خيل المعادي تحدى ...
مثل الفهد توثب عليهم تواثيب


أنا اشهد انك باللوازم تسدا ...
وعز الله انك خيرة الربع بالطيب


ياللي على ذيب السرايا تعدا...
لوحال من دونه عيال معاطيب


ليث على درب المراجل مقدا ...
مافيك ياذيب السبايا عذاريب



وبعد أن قال والده هذه القصيدة بطريقة المزاح آسرها ذيب
في نفسه وعندما نام والده واطمأن انه قد استغرق في النوم
ذهب خفية وركب قلوصه وذهب لبعض أصحابه من الشبان
وطلب منهم مرافقته فهبوا كالليوث فزعة مع خويهم فشدوا
مطاياهم وركبوا مع ذيب وعددهم لايتجاوز خمسة عشر شابا
وكلهم يأتمرون بأمر ذيب وبعد ذلك سألوا ذيب إلى أين هم سائرون
فقال إلى ديار القوم ( عتيبة ) لنكسب لأهلنا إبلا منها وقال لابد أن
آتي لوالدي من خيار ابل عتيبة واستمروا بسيرهم وبعد ثلاثة أيام
قصدوا بئرا في ديار عتيبه ليستقوا ماء منه ويسقوا رواحلهم
وهذه البئر اسمها (مليه) وهي تقع غرب جبل ذهلان في نجد في
أواسط نجد وعندما انحدروا إليها من جبل يطل عليها رأوا وردا من عتيبة يستقون
فأراد ذيب ورفاقه أن يرجعوا لئلا يروهم فينذروا القبيلة بوجودهم
وكان من السقاة صياد اخذ بندقيته وتوجه إلى الوادي الذي انحدروا منه
باحثا عن صيد وعندما رآهم اختفى تحت شجرة وأطلق عليهم
عيارا ناريا فأراد الله أن يصيب ذيب إصابة مميتة.
لقد حلت الكارثة على الشيخ الطاعن بالسن شالح بن هدلان
لأنه فقد كل أمل له في هذه الحياة فقد كل ركن على وجه الأرض
فقد الشجاعة الفذة فقد الكرم الحاتمي فقد الابن المطيع لقد خر ذيب صريعا
وودع الخيل وصهيلها، وودع الإبل وحنينها، وودع أباه الذي
هو بحاجة الى بره ورعايته ترك ذيب شالح حزينا وودع قبيلة قحطان
المجيدة وودع سنانه ورمحه وبندقيته، ونقع الخيل وهزيج
الأبطال ، ودع ذيب نجدا العزيزة ورياضها ودع غزلان الريم والأرانب
وطيور الحباري التي كان يصطاد منها لوالده لقد انقشعت هالت
الفضل التي كانت تحيط الشيخ شالحا بالحنان والبر والفضيلة التي ضربت
أروع امثلا بين الأبناء والآباء.

بعد ما سقط ذيب على الأرض أناخ رفاقه مطاياهم وتسابقوا إليه
وضموه إلى صدورهم وانهالوا عليه بالقبل ، وودعوه بدموعهم
الحارة ثم وضعوه بكهف بجانب الوادي وقفلوا راجعين إلى أهلهم
أما الصياد الذي أطلق النار فقد ظل مختبئا تحت الشجرة
إلى أن رأى الركب قد ولى فأتى إلى مكانهم ووجد الدم يلطخه
ثم عمد إلى ذيب وهو بكهفه وعندما رآه وجد شابا بهي الطلعة
وفي خنصره الأيمن خاتم فضي وكانت رائحة الطيب تعج منه
وكان لباسه يدل على انه شخصية بارزة فرجع إلى جماعته
الذين يستقون من البئر فسألوه عن الرمية التي سمعوها عنده
فقال إن ركبا من العدى انحدر من الوادي وبعد أن رأوكم نكصوا راجعين
فأطلقت عليهم عيارا ناريا قتل منهم شخصا تبين لي انه زعيمهم
وقد وضعوه في كهف في جانب الوادي فقالوا ومادلك
على انه زعيمهم فبين لهم أوصافه ولباسه الذي عليه وان في خنصره
الأيمن خاتما فضيا فقالوا هيا بنا لنراه وكانوا قبيلة برقا إحدى
جذمي قبيلة عتيبة وكانوا بالتحديد من قبيلة المقطة إحدى اكبر أفخاذ قبيلة
برقا من عتيبة وهم جماعة الشيخ تركي بن حميد وكان معهم فتاة
قد جلى أهلها منذ سنة إلى جوار قبيلة قحطان وقد جاوروا ذيب بن شالح ووالده
لأسباب بينهم وبين بني عمهم وعندما رأوا ذيب وشاهدته الفتاة صاحت بأعلى
صوتها هذا ذيب بن شالح الذي جاورنهم العام فشتموها وقالوا لابد أن بينك وبينه
صداقة قالت البنت للذي قت ذيب بهذه اللهجة (( تعقب وتخسي يالردي هذا ذيب بن شالح
اللي ماعمره رفع عينه في جارته وكان يعزنا ويكرمنا وكان مايجي من البر بالصيد
إلا ويجي بقسمنا معه ويحطه على الأرض وهو منزل عيونه بالأرض ثم يروح لبيته ))
فسكتوا ولم يستطيعوا أن يجادلوها لأن سيرة فروسية ذيب قد ملأت أرجاء نجد .


ما اكبر مصاب شالح لما وصل رفاق ابنه واخبروه بما حدث
لاشك أن وقع الخبر على شالح كان عظيما جدا عندما علم أن ابنه
قد قتل وكان الخبر على قلبه اشد وأنكى من طعن الحراب ولاشك انه
سيتجرع ويلات الحزن ومرارته وماسي الفراق ولوعاته..
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... الفيت كل منية لاتنفع
إنها كارثة كبرى حلت ليست على شالح وحده بل على أهله آل هدلان
وعلى قبيلة الخنافر من قحطان بل على قبيلة قحطان الكبرى .




وقد قال شالح أشعارا كثيرة بعد وفاة ابنه أولها هذه القصيدة :

يــــاربـــعنا باللي على الـــفِطّر َالشيب**
عــزالله إنه ضــاع مِنــكم وداعــه


رحتوا على الطّوعَات مِثلِ العَيَاسِيب**
وجـــِيتواوخـلّيتوا لِقــلبي بِضاعــه


خـلّيتوا النـــــادر بـــديار الآجــَــانِيب**
وضـاقت بي الآفاق عِـقب اتساعــه


تِـكـَــدّرن لي صافــيات المـــشاريب**
وبالعون شِفت الذل عِـقب الشجاعه


يـاذيب أنـابـوصــيك لاتــأكـل الذيب**
كـم ليـــلةٍ عشــاك عِـقبِ المجاعــه


كــم ليلةٍ عــشاك حِــرشَ العَــرَاقِيب**
وكم شِيخِ قــومٍ كــزّتِه لك ذِرَاعِــه


كــفّه بــعدوانه شِـــــنِيع الـمضارِيب**
ويسقي عدوه بالـوغى سـِم سَاعَــه


ويـضحَك ليا صـكت عليه المـغالِيب**
ويــلكد على جمعِ الـعدو بانـدفَاعـَـه


وِبَيـتِهِ لِجِــيرانِه يِشّــيّد على الطــيب **
وللضيف يبني في طِــويل الرفَاعَــه


جَرحِي عَطِيب وَلا بَقى لِيَ مِقَاضِيب **
وَافَخَتّ حَبل الوَصل عِقب انقِطَاعه


كِنّــي بَــعَد فــقدِه ِبِـحـَامي اللّهـَـاهِـيب **
وِكنّي غَرِيبَ الــدّار مـالي جِمَاعَــه


مِن عِقب ذِيبَ ، الخَيلِ عِرج مهَالِيب **
يَاهـل الرّمَك ماعَـاد فِــيهِن طِمَاعـَه


قَالوا تِطِيب وقلت: وِش لون أبا طِيب **
وطَــلَبت مِن عِند الـكِرِيم الشّفَاعـَـه




ولقد ندم شالح على قصيدته التي تسببت بمقتل ذيب
ندما شديدا مما حداه الى نظم قصيده قال فيها :

ذيبٍ عوى وأنا على صوته أجيب..
ومن ونتي جضت ضواري سباعه


عز الله إني جاهل ٍ ما أعلم الغيب..
والغيب يعلم به حفيظ الوداعه

يالله يا رزّاق عِكف المخاليب ..
يا محصي خلقه ببحره وقاعه


تفرج لمن صابه جروح ٍ معاطيب..
وقلبه من اللوعات غادٍ ولاعه


إن ضاق صدري لذت فوق المصاليب..
مانيب من يشمت فعايل ذراعه


صار السبب مني على منقع الطيب ..
ونجمي طِمَن بالقاع عقب إرتفاعه


يا طول ما هجيتهن معْ لواهيب ..
ولاني برادي كسرها من ضلاعه


ويا طول ما نوختها تصرخ النيب ..
وزن البيوت إللي كبار ٍ رباعه


وأضوي عليهم كنهم لي معازيب ..
إليا رمى زين الوسايد قناعه


أضوي عليهم واتخطى الأطانيب ..
وآخذ مهاويه الجمل باندفاعه


أبا أنذر إلي من ربوعي يبا الطيب ..
لا ياخذ إلاّ من بيوت الشجاعه


يجي ولدها مذرب كنـّـه الذيب ..
عِز لأبوه وكل ما قال طاعه


وبنت الردي ياتي ولدها كما الهيب ..
غبنٍ لأبوه وفاشله بالجماعه


يا كبر زوله عند بيت المعازيب ..
متحرّي ٍ متى يقدّم متاعه



وبقي شالح حزينا متأثراً يسهر أيامه ولياليه ولايفارق
نار قهوته وذات ليلة وهو ساهر مع أحزانه

كان شخص من قبيلة قحطان اسمه الهويدي قد ضاع صقره
واخذ يبحث عنة بالليل ويسال رافعا صوته كلما مر.



بنار قطين مناديا (يامن عين الطير)
فعرفه شالح وسكت عنة أول مرة
ثم عاد إليه مرة ثانية مارا ببيته
بعد أن مر بنيران الحي ثم استمر بسؤاله مارا بكل نار
يراها وعاد على شالح للمرة الثالثة.
فناداه شالح والهويدي لم يعلم أن النار هي نار
شالح وعندما دعاه لكز هجينه (أي ضربها)
وجاء مسرعا ظنا منه أن المنادي سيبشره بصقره
وعندما أناخ هجينه واقترب من المنادي تبين له
انه الشيخ شالح بن هدلان الذي لازال يصارع أحزانه
فاعتذر الهويدي لشالح انه لا يعرف أن هذه ناره ثم قبل جبينه
معتذرا وطالبا السماح فأذن له بالجلوس من حوله
واخذ شالح يصب له القهوة ثم قال هذه الأبيات:

إن كان تنشد يالهويدي عن الطير.....
الطير والله يالهويدي غدالي


طيري عذاب معسكرات المسامير.....
إن حل عند قطيهن الجفالي


إن جاء نهار فيه شر بلا خير.....
وغدا لهن عند الطريح اجتوالي


إن دبرن خيل وخيل مناعير.....
وشره على نشر الحريب الموالي


يضحك ليا صكت عليه الطوابير.....
طير السعد قلبه من الخوف خالي


خيالنا وان عرجدن المظاهير.....
وزيزوم عيرات طواها الحيالي


غيث لنا وان جت ليالي المعاسير.....
وبالشح ريف للضعوف الهزالي


يسقي ثراه من الروايح مزابير.....
تمطر على قبر سكن فيه غالي




لاشك أن طير شالح يصيد أفذاذ الرجال
كما قاله بأشعاره أما طير الهويدي
فهو لايصيد إلا الأرانب والكروان و الحبارى...
رحم الله شالحا وابنه ذيبا لأنهما سجلا مفاخر
قيمة لكل من يقطن نجدا...

إننا نودعهما بالرحمة ودعوات الغفران ونشيعهما
بما يشيع به الأبطال المغاوير ،الذين أبقوا لهم ذكرا
في الآخرين دينا وشجاعة وكرما وشيما وطيب ذكر
وهكذا انتهت قصهة أسطاير خلدوا أسمائهم بماء الذهب
على صفحة التاريخ بطيب ذكرهم وأفعالهم

الجمعة، 18 مارس 2016

سالفة وقصة اللي أوصاه أبوه ان لايتزوج الا بكراً


سالفة الذي أوصاه والده بأن لايتزوج إلا بكراً
كان الأطفال في هذه الليلة في شغل شاغل .. فقد هبطت أمطار غزيرة على البلدة وسالت شعابها ووديانها .. فكان الأطفال يخوضون في السيل ويلعبون وفيه يتلذذون بمنظرة وهو يجري ويتقاذف ...ولهذا كانت الجدة قلقة عليهم في هذا اليوم ولم يطمئن بالها حتى خيم الظلام وحجب الأبصار عن الرؤية واشتد البرد.. الأمر الذي جعل الأطفال يبحثون عن الدفء ويبحثون عن التسلية ويبحثون عن الراحة أيضاً واجتمع الأطفال حول جدتهم واقترح أحدهم بأن تقص عليهم سالفة الرجل الذي أوصاه والده بأن لا يتزوج إلا بكراً ولكنة عصاه فتزوج راجعاً أي ثيباً وماذا جرى له بسبب مخالفتة لوصية والده .. ؟!!
فقالت الجدة حباً وكرامة كان رجل تاجراً مشهوراً له ثروة طائلة ولم يرزق إلا ولداً واحداً فكان هذا الولد هو أمله في الحياة وهو موضع اهتمامة ورعايتة وكبر هذا التاجر .. وصار له ولد شاباً مكتمل الرجولة وأحس الوالد بالضعف والكبر فصفى تجارتة وحولها إلى ذهب ولم يترك منها إلا بقايا بسيطة للانفاق على أسرتة وجمع هذا الذهب ووضعة في جلد رقبة بعير ثم حفر حفرة تحت سقف الدرجة ودفنة فيه ..وصار معظم اماني الوالد أن يتزةج ولده .. ولكن الزواج لا بد أن يكون من امرأة تكون بكراً لم تجرب الأزواج ولم تنتقل بينهم .. ودعا ولده ذات يو م وقال له : -
يا ولدي ان أيامي في الدنيا معدودة .. وان امنيتي في أخريات حياتي أن اراك متزوجاً زواجاً موفقاً .. وأن أرى أولادك قبل أن أغادر هذه الدار الفانية .. وإن لي وصية في الزوجة وهي أن تكون بكراً .. واياك الثيب...!!!
فأجابة ولده بأن عمرك إن شاء الله سوف يطول وأن نصائحك لي سوف تكون نافذة.. وسأحرص على تطبيقها بحذافيرها .. فدعا له والده بالتوفيق ثم انصرف الولد من عند والده.. ودارت الأيام وأحب الولد امرأة مطلقة بطريقة ما ..!! وبادلتة هذا الحب .. واتفقا على الزواج واشترط عليها إذا سألها والده هل هي بكر أو ثيّيب ان تقول له ان ولدك تزوجني وأنا بكر وتم الزواج ونقل الولد زوجته الى دار ابيه وسأله لعل زوجتة بكراً فقال انها بكر .. وسأل الوالد الزوجة عن ذلك فكان جوابها مطابقاً لجواب ولده ..
وسر الوالد من هذا الزواج وقرت عينة ياستقرار ابنة .. ووضعه اللبنة الأولى في سبيل تكوين أسرة تحمل اسم العائلة وتخلد ذكراها ..!! وتكاثرت الأمراض على الأب .. وحطت من قواة أمراض الشيخوخة فكانت زوجة ولده تظهر نحوه عطفاً وشفقة وتقوم بخدمتة ليل نهار ولا تكاد تفارق فراشة الذي أمسى ملازماً له طيلة ساعات الليل والنهار ..
ونوسم الشيخ في زوجة ولد عقلاً ونجابة وحسن تدبير .. كما أنه من ناحية ثانية .. يرى ان ولده لا يزل في طفرة الشباب .. ولاتزال تسيطر على نفسة بعض نزوات الشباب وطيشة .. ولهذا فقد أخفى مخزون الذهب عن ولده ولم يطلعه على أي خبر عنه .. وعندما أحس الشيخ بدنو أجله .. جاء بزوجة ولده وقال لها لقد خلّفت لكم ثروة بعضها بين أيديكم أنقفو منها باتزان وتعقلوالبعض الأخر مدفون تحت سقف هذه الدرجة فان احتجتم فخذو من هذا الذهب المخزون تحت الدرجة .. واياك ان يعلم عنه زوجك أو يستولي عليه .. فانني أخشى أن يسرف في الانفاق منه .. وأن يبددة فلا يكون امامكم إلا الحاجة والعوز ..!!
فدعت له زوجة ولده و أكثرت من الدعوات الصالحات .. ومات الأب وورث ثروتة الابن وصار ينفق مما تحت يده نفقة من لا يخشى الفقر .. ولا يحاول ان ينمي شيئاً منه .. أو يبحث عن مصادر تعوضه عما ينفق ... واستمر على هذه الحالة .. إلى أن تقلص ما عندهم من نقود ثم جعل يبيع الأثاث والمفروشات وينفق من ثمنها ثم بعد هذا لم يجد الشاب شيئاً ينفق منه فضاقت به البلد .. وتغيرت نظرات الناس فيه وبدأ يرى علامات الاهمال ولانصراف حتى من أعز أصدقائة .. ورأت زوجتة ما هو فيه من حالة سيئة .. من جراء الفقر والعوز الذي يعيش فيه فأشارت عليه بأن يسافر .. وأن يسعى في طلب الرزق فعل الله يفتح له باباً يعيش منه وينفق على عائلتة ..! وعزم الشاب على السفر .. ورأى قافة متجهة إلى الكويت _ مثلاً _ فرافقها ووصل إلى الكويت.. والتمس عملاً يكسب منه الرزق ... ولكنه لم يجد فالأعمال الشاقة لا يرضاها لنفسه والعمل الهادىء لم يتيسر له .. وذهب ذات يوم بعدج أن خاب أمله في وجود عمل يتناسب مع رغباته .. ذهب إلى أحد المساجد وصلى فيه صلاة الظهر .. وكان من الصدف المباركة أن كان يصلي بجانبة أحد أثرياء البلد .. فسلم الثري على الشاب وسألة عن بلده فأخبره بها ثم سألة عن عائلتة .. فأخبره أيضاً أن فلان ابن فلان ..!!
وسمع هذاى التاجر اسماً ليس غريباً عليه .. بل هو اسم تاجر من تجار نجد كان يتعامل معه .. ويبيع ويشتري منه بمبالغ طائلة .. فقال التاجر وما هي أخبار والدك فقال توفي ..!! فدعى التاجر لزميله الراحل بالرحمة والغفران ثم سأل التاجر هذا الشاب عن سبب مجيئه إلى الكويت وتحمله مشاق السفر فقال الشاب لقد انفقفت ما تبقى من المال بعد أبي .. ونفذ ما في يدي .. ولم يبقى امامي إلا السفر لطلب المعيشة ..!! فقال التاجر لهذا الشاب أن لو الدك ثروة كبيرة لا يمكن أن تنفد بهذة السرعة .. ولابد ان في الأمر سراً فهل أوصاك والدك قبل الوفاة بوصية خاصة ..!! فقال الشاب نعم انه اوصاني بأن لاأتزوج راجعاً بل علي أن أتزوج بكراً .. ولكنني أحببت واحدة في أخريات حياة والدي وكانت راجعاً .. فدفعني الحب الذي جعلة الله في قلبي لهذة المرأة إلى أن أتزوجها و أن أخدع والدي و أكذب عليه بأنها بكر وتواطأت مع زوجي على ذاللك فلم يشك والدي في صدقنا ومات مطمئن البال قرير العين لأن اخر أمنياته في الحياة ان يراني متزوجاً سعيداً بزواجي .. وفعلاً كان هذا فقد كانت زوجي ذكية عاقلة مدبرة لشئون البيت .. كما انها أولت والدي في أيامه الأخيرة عناية فائقة وكانت لا تكاد تفارق فراشة في ليل أو نهار لتوفر له جميع طلباته .. وتساعده على جميع الصعوبات التي كان يعاني منها ..!! فقال التاجر .. ومع هذا كله فان الأمر سراً لايزال غامضاً ولا بد من التحايل على معرفة هذا السر ...!!! فقال الشاب ان الأمر اليك فانظر ما هو الطريق الموصل إلى اكتشاف هذا السر ..!!
قال التاجر لقد رأيت أن أفضل طريقة هي أن أزوجك ابنتي البكر وأن تسافر معك إلى بلدك على أساس أنها عبده مملوكة .. وسوف تطلى جلدها بطلاء أسود بحيث أن يراها لايشك في أنها جارية سوداء ..!.. وتذهب بها غلى زوجتك وتقول أنها جارية وجدتها رخيصة فاشتريتها وقد جئت بها لخدمتك .. وهي صقهاء طرماء أي لاتسمع ولا تتكلم .. وسوف نؤكد على ابنتي أن لا تتلكم بأي كلمة .. و أن تتظاهر بأنها لا تسمع أي كلمة ولكن هذا كله بشرط ..!! فقال الشاب وماهو الشرط : - فقال أن لاتمس ابنتي و أن يكون هذا العقد عقداً صورياً لايبيح لك أن لا يبيح لك أن تضجعها .. ولا أن تفعل معها ما يفعلة الأزواج مع زوجاتهم واذا خالفت هذا الشرط فان العقوبة تكون قطع يدك اليمنى ..!! فقبل الشاب هذا الشرط ورضي بالجزاء اذا خالفة وعقد الزواج بين الشاب وهذا الشرط ورضي بالجزاء اذا خالفة وعقد الزواج بين الشاب وابنة التاجر .. وطليت بالطلاء الأسود حتى لا يشك من يراها أنها جارية ..!! وتظاهرت بالصمم والطرم..!! وصل الشاب إلى بلده .. ودخل بيتة فوجد زوجتة على الحال التي تركبها عليها وجاء بالجارية فقال لها هذه جارية وجدتها رخيصة فاشتريتها لتكون خادمة لك إلا أن فيها عيباً وهو الصقة والطرم فهي لا تسمع ولا تنطق .. ولكن ذلك لايهمنا فان من الممكن افهامها بالاشارة عما نريد ان تعلمة .. أما ما عدا ذلك فلسنا في حاجة اليه ..! واقتنعت الزوجة بهذا الكلام ولم يدخلها اي شك في أن هذه الجارية لاتسمع ولاتنطق ....بقي الزوج مع زوجتة يروح ويغدو اليها والجارية عندها تعمل في البيت حتى عملت الزوجة بمواعيد معينة لخروج زوجها ومحيئة وأخبرت صحيبها أو حبيبها .. فصار يأتي اليها في الأوقات التي يكون زوجها خارج الدار ويخلو بها خلوات مريبة والجارية ترى وكأنها لا ترى شيئاً ...!!!وجاءها ذات يوم هذا الصحيب .. وقال لها لقد وردت بضاعة رخيصة سوف تجي مكاسبها الشيء الكثير ... واني أريد منك أن تعطيني مائة قطعة ذهبية .. وسألت الزوجة حبيبها عن نوع البضاعةفقال انها قطعان من الا بل المعروضة للبيع .. وأقيامها رخيصة وفيها مكاسب ظاهرة..فذهبت الزوجة غلى بيت الدرجة .. ثم جاءت بالقطع الذهبية المطلوبة ودفعتها لحبيبها .. وثمنت له مكاسب طيبة .وجاء الزوج فانتهزت الفتاة فرصة من فرص غفلتها أو انشغالها فأخبرت الزوج بما رأت وما سمعت وانكشف الأمر للزوج .. وكان قد رسم الخطة رسماً دقيقاً بحيث لا يحتاج إلى تأمل ولا تفكير ..!! ودعى زوجتة فقال لقد قررت الرحيل من هذه البلد لأنه لا عمل لي فيها ولا رزق ... والمرء يسعى وراء الرزق في أي مكان فهل ترافقنني إىل حيث اريد ..؟؟؟؟!!!فا عتذرت الزوجة بأنها لم تألف الغربة .. ولاتقوى على مشقة السفر .. وفي امكانه أن يذهب وحده .. ثم يعود اليها متى شاء ...!!!
فقال الزوج أذاً أرحلي الى أهلك وابقي عندهم لأنني سوف أبيع هذه الدار حالاً .. وبالثمن الذي تقف عنده بعد عرضها في المزاد العلني ....فلم يسع الزوجه إلا أن تجمع أغرضها الخاصة ثم تذهب إلى بيت أهلها ...
ودخل الزوج إلأى بيت الدرجة فوجد الما فاستخرجة كله وباع اثاث بيتة وقال لأحد الباعة أعلن عن بيع بيتي في المزاد العلي .. فبدأ هذا البائع ينادي على البيت ويعرضه للراغبين ...!!! وذهبت هذه الزوجة غلى حبيبها وقالت له اشتر البيت بأي ثمن يطلب يطلب فيه ولا تدعه يذهب إلى غيرنا ... فان فيه مالاً وفيراً يعوضنا عن جميع ما ندفع فيه ... وكان البيت تقدر قيمتة بألفي ريال _ مثلاً _ ولكن الثمن الذي دفع فيه بلغ عشرة آلاف ريال ... دفعها حبيب الزوجة الخائنة ....وباع الرجل بيتة وقبض ثمنة وشد الرحال متوجهاً إلى المدينة التي يسكنها أبو الفتاة اللي معه ....وعندما وصلو منتصف الطريق هطلت عليهم أمطار غزيرة سالت على أثرها الشعاب والوديان ...وذهبت الفتاة الى احد الغدران فا غتسلت ونظفت جسمها من ذلك الطلاء الأسود الكرية الذي انتهى دورة وانتهت مهمتة .. وبدت الفتاة كأنها بدر طالع من خلال دجنة ..ورآها زوجها فلم يملك نفسة .. كما أنها هي لم يمكن عندها أي مقاومة أو تمنع .. فهي تعلم أنها زوجته ... بعقد صحيح لاغبار عليه وهو يعلم أنها زوجته ولكنه نسي الشرط .. والوفاء بالشرط لهذا التاجر الشهم الذي استطاع بفطنته وذكائه أن يكتشف هذا السر المغلق بهذه الطريقة التي هي غاية في البساطة .. فالشاب أمام هذا الاغراء وهذه الاستجابة من قبل الشابة .. لم يفكر في هذا الشرط الذي هو قطع يده اليمنى ...ووقع المحظور وضاجع الرجل زوجته واخل بالشرط الذي اتفقا عليه ..!!وذهبت السكره وجأت الفكره .. وبدأت الأفكار والهواجس تتعاقب على نفسه وبداء تأنيب الضمير ولكن هذا المحذور قد وقع وهذا شيء مكتوب في اللوح المحفوظ وإذاً فليقابل الأحداث بصبر وشجاعه وصراحه ولتقطع يده فقد كسب ثروه طائله وهو ليس في بحاجه الى ان يعمل ولديه زوجه فهو لا يخشى ا ن يعيبه قطع اليد امام الزوجات ...وإذاً فليكن ما يكون وقدم الرجل بزوجتة على ذلك التاجر .. وأخبره بأن ماكن توقعه كان صحيحاً .. وان الثروة كانت في قبضة زوجته السابقة .. وأن الطريقة التي رسمها لا كتشاف السر كانت حكيمة وموفقة ... فسر التاجر بهذه النتائج سروراً كبيراً ... ثم سأل الشاب عن الشرط الذي كان بينهما في ان لا يمس ابنتة وأن لايضاجعها فقال الشاب أما هذا الشرط فإنني لم أف به وأنا شديد الأسف لما حدث .. وانني اشعر بالذنب وأشعر بأنني أسأت التصرف واني استحق من العقوبه اكثر مما فرض علي فقال التاجر اما اكثر فلا واما الشرط سوف أنفذه عليك فكن على استعداد لقطع يدك اليمنى فقال الشاب انني على اتم الإستعداد ولعل في قطعها ما يكفر عن خطيئتي ....واستعد الأب لتنفيذ الشرط وبداء يحد الشفره ...واستعد الشاب لتحمل آلام قطع يده اليمنى ... وجاء دور التنفيذ .. وقال التاجر للشاب انني لن أقطع يدك أمام ناظريك لطفاً بك ... واحتراماً لمشاعرك .. ولكنني سوف أخرق في هذا الحائط ثقباً بقدر ما تدخل يدك .. وتكون انت داخل هذه الغرفة .. وأكون أنا خارجها فتدخل يدك في هذا الثقب وتخرجها الي فأقطعها وأنا لاأراك وأنت لا تراني .. فيكون في هذا رحمة بك ..فقال للتاجر الرأي ما ترى .. وثقب الخرق ودخل الشاب في الغرفة واستعد التاجر لقطع يده .. ولم يشعر الشاب وهو في هذه الغرفة إلا بإبنة التاجر تدخل عليه من حيث لا يشعر والدها .. ورأته يريد أن يدخل يده اليمنى مه هذا الحرق فأمسكها .. وقالت له انني أنا اللي سوف أدخل يدي بدلاً منك ... فقال الشاب ان الجرم جرمي .. وأنا الذي استحق العقاب........فقالت الشابة ولكنني شريكتك في الذنب فولا اتجابتي لما عملت شيئاً .. ثم انا في بيتي مستورة .. أما أنت فتخرج إلى ا؟لأسواق وقطع اليد اليمنى يعيبك ويلفت اليك النظر .. ويجعل الناس يظنون فيك مختلف الظنون.....وتأخر الفتى في اخراج يده من الخرق .. فاستحثة التاجر وطلب منه ان يبادر بادخل يده من الخرق للخلاص من المهمة .. وكانت الفتاة قد تغلبت على الشاب وأقنعتة بأن تدخل يدها بدلاً منه ..!!
وهكذا كان .. فان الفتاة ادخلت يدها مع الثقب واستعدت لقطع يدها .. ولكن الوالد عندما رأى اليد عرف انعا ليست يد الفتى وإنما يد الفتاة فأمر بسحب يدها ثم دخل على الفتى والفتاة في تلك الغرفة وقال .. موجهاً الحديث للفتى ..ارأيت نتائج نصيحة والدك في أن لا تتزوج إلا بكراً ... فانظر اليها ... وأشار الى ابنتة انها تريد ان تفيدك بنفسها ..... وان تتحمل عنك هذه العقوبة القاسية ... مع أنك أنت الجاني وأنك أنت الذي تستحقها ولا أحد غيرك يستحقها ... فخجل الفتى وشكر التاجر على هذا الدرس البليغ الذي ألقاة عليه.... وقال انني لا استطيع الآن أن أنطق بما يجيش به صدري من تقدير عظيم لك أيها الشهم الكريم ولكنني سوف ابقى طيلية ايام حياتي أسيراً لفضلك وكرمك ومعرفك وتعاليمك القيمة .. التي اعادت إلى ثروتي .. وحفظت لي شرفي ... وخلصتني من تلك الأفعى التى أوقعني فيها جهلي بالأمور وعصياني للنصيح واندفاعي الى سبيل الهوى ..!!
فقال له الثري .. ما دمت قد وصلت الى هذا الحد من الفهم لواقعك .. فان ابنتي هي زوجتك الشرعية عش معها كما يعيش الأزواج مع زوجاتهم .. واذا شئت ان تضع أموالك مع أموالي فنكون شركاء في العمل فنني لا أرى من ذلك مانعاً....فرحب الشاب بهذا العرض وقلبه وأضاف أمواله إلى أموال صديق والده وصار هذا الشاب ببدنه اكثر مما يعمل بفكرة ... وصار التاجر الشيخ يعمل بفكره ورأية وتجاربة أكثر مما يعمل ببدنة ..وعاش الشاب مع زوجتة الشابة عيشة كلها سعادة ووفاق ..!! وصارت هي أم أولاده وهو أبو أولاد ..!!..وعاش الجميع في سبات ونبات ورزقو الكثير من البنين والبنات...